تقارير

هل فرار وزير اعلام صنعاء انشقاقا عن الحوثيين فعلا؟!

اخباري نت ، نيوزيمن، فارس جميل:

أثار فرار عبدالسلام جابر وزير إعلام حكومة الحوثيين من صنعاء ضجة كبيرة عقب وصوله إلى الرياض وعقده مؤتمرا صحفيا، تم وصفه فيه بـ(المنشق) فهل فرار الرجل من صنعاء انشقاقا عن الحوثيين فعلا، كما حدث مع علي محسن عندما أعلن انضمامه لشباب ساحة التغيير في 2011 مثلا؟

الانشقاق هو الانقسام ولكن بطريقة غير طبيعية، أي أن المنشق عن نظام أو جماعة يجب أن يكون فعلا عنصرا كاملا في هذا النظام أو تلك الجماعة قبل مغادرتها إلى سواها، وقد كان محسن ركنا من أركان نظام صالح وعندما غادره إلى مربع آخر تم وصف ذلك بالانشقاق، فهل كان جابر حوثيا؟

عبدالسلام جابر تمت تسميته وزيرا للإعلام بصنعاء فعلا، لكنه كان مجرد نائب لرئيس لجنة إعلامية خارج هيكل الوزارة تسير العمل الإعلامي للحوثيين، وكان يعاني أشد المعاناة من مجرد منشور أو تغريدة لعنصر حوثي صغير لم يعجبه جابر، ولم يكن صاحب قرار في وزارته، فقد تعرض لمحاولات ابتزاز وتشويه مسبقا من عناصر تابعة لأحمد حامد الوزير الذي سبقه في الإعلام ثم أصبح مديرا لمكتب رئاسة الحوثيين لاحقا، والحاكم الفعلي للحكومة الحبتورية.

ضمن تشكيلة بن حبتور اعتبر جابر ضمن حلفاء الحوثيين في الحكومة وليس عنصرا في هياكل الجماعة، فبحكم علاقته بالضاحية الجنوبية ببيروت، ولكونه من أبناء المحافظات الجنوبية وله علاقة بتيار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد احتل موقعه الوزاري، وبالتالي فإن وصفه بالمنشق ليس دقيقا، ولكن لماذا أثار فراره من صنعاء كل تلك الضجة، على عكس ما حدث مع الدكتور عبدالله الحامدي الذي أعلن قبله بأيام مغادرة مربع السلطة الحوثية بصنعاء أيضا؟

مع فرار جابر من صنعاء رحب محمد علي الحوثي بالمعارضين للرياض في الأراضي التي تسيطر عليها جماعته، وطالب نائب عبدالسلام جابر بوزارة الإعلام بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى والفساد، وتعرض في مؤتمر الصحفي بالرياض للرمي بحذاء أو قارورة ماء معدني باختلاف الروايات، فهل كان فراره مؤذيا للطرفين معا، أم أن للحوثيين أياد في سفارة اليمن بالرياض أرادوا تأديبه بواسطتها ليكون عبرة لمن سواه، أم أن جلال هادي غير راض عن جابر، فتم تعمد إهانته بشكل لا يخدم في كل الأحوال إلا الحوثيين دون سواهم؟!

قبل أسبوع واحد من مغادرته صنعاء ظهر جابر على شاشة قناة اللحظة متحدثا عن الثقافة القرآنية للحوثيين، وعبر عن موقف الجماعة في كل طرحه، لدرجة تحوله إلى واعظ ديني بشكل لا يتفق مع شخصيته وتاريخه الحزبي والصحفي، وربما تعمد ذلك لتضليل الجماعة وإشعارهم بالثقة استعدادا للفرار بأقل رقابة ممكنة من قبلهم، وفي مؤتمره الصحفي تحفظ عن معلومات كثيرة سأله حولها الصحفيون، ولم يسئ بشكل مباشر للجماعة وقيادتها كشخصيات، وإن كشف بعض ما هو معروف عنها مسبقا لدى الجميع، ربما كانت نقطة استقباله لأمريكيين في مكتبه جديدة، لكنه عندما اقترب لقول بعض ما هو جديد، تعرض للرمي من ذلك الشاب الذي شتمه بصوت مرتفع، فهل كان الرمي بالحذاء محاولة لمنعه من كشف المزيد من المعلومات مثلا؟.

طالب عبدالسلام جابر بعدم نقل مقطع إهانته بالرمي بالحذاء تلفزيونيا في حديثه مع مقدم الفعالية، وقيل له أن المقطع لن يتم بثه، لكن فعلا تم البث، حتى لمطلبه بعدم البث، واستعاد البعض بعد المؤتمر تاريخ جابر الأسري وعلاقة النسب من الأم الذي يربطه بالقيادي الملكي الشهير قاسم منصر، وشمت به الكثير من كوادر حزب الإصلاح وجماعة الحوثيين، فلماذا تقاربت مواقفهما من فراره يا ترى؟!

قبل عامين تنبأ عبدالسلام جابر بمستقبل واعد وعظيم لمهدي المشاط الذي وصفه بـ(المجاهد)، ونشر صورة تجعه به في العاصمة العمانية مسقط، لكن المشاط بدوره لم ينقذ جابر من مضايقات جماعته، بل كان يفرض عليه من يحيط به من مسؤولي الوزارة، وكانت عناصر حراسته كانت للرقابة عليه وليست لحمايته حسب مقربين منه.

قال بعض المتعاطفين مع جابر أن الضجة الإعلامية التي صاحبت فراره كان الهدف منها التغطية على معركة الحديدة، وقال آخرون أنها حملة منظمة لتقديمه كبطل بينما هو في الحقيقة لم يزل مواليا للحوثي، وذهب للرياض بالتنسيق معه كجاسوس على الشرعية، وإن كان ذلك ممكن نظريا، لكن الشرعية لا تحتاج جواسيسا عليها فهي سوسة ذاتها، كما أنه لن يصبح قائدا عسكريا يسرب معلومات المعركة للحوثيين، وبالتالي فإن تلك الضجة عبرت عن أزمة وتخبط واضحين تعيشهما الأطراف المنضوية تحت راية هادي، أكثر من كونها انعكاسا لحجم الحدث.

فر عبدالسلام جابر لأنه لم يحتمل المزيد من ممارسات الجماعة، وإن كانت المصلحة قد ربطته بالحوثيين مؤقتا فقد كان من السهل لكل من يعرف الرجل أن يتوقع هذه النهاية لعلاقته بالجماعة، ولكن هل ستنتهي علاقته بالضاحية الجنوبية وتحالفاتها داخل اليمن؟

في كل الأحوال فإن كل فرار من صنعاء هو انتصار سياسي للشرعية والتحالف وكل مناهضي الحوثيين، حتى لو لم يكن لهم يد فيه، ويجب استقبال كل من يغادر صنعاء بصورة لائقة مهما كانت الخلافات معه.

من يتساءل كذكي عن تأخر جابر في الهروب من الحوثيين، عليه أن يتذكر أن هناك كثيرون تأخروا وتواطؤوا وتعاونوا مع الجماعة بشكل أكبر بكثير من جابر، بل أن هادي نفسه كان أول هؤلاء، وما دونه تفاصيل ونتائج لما بدأه الرجل الأول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى