اخبار اليمن

الشامي يحويل الجمهورية إلى حدث كارثي في تاريخ اليمن

هذا العنوان “الجمهورية المزعومة في اليمن” هو في الأصل عنوان لكتيب من 31 صفحة كان باكورة المنشورات الحوثية الصريحة ضد الجمهورية اليمنية، وصدر بتوقيع مؤلف اسمه (جمال الشامي) أواخر أغسطس 2017، حاول فيه الشامي تحويل الجمهورية إلى حدث كارثي في تاريخ اليمن، وشكك بكل مبادئها وأهدافها ابتداءً من سبتمبر 1962.

بدأ الشامي مقدمة كتيبه هذا بأسطر قليلة وتمهيدية لما يريد التوصل إليه من أحكام ضد النظام الجمهوري في اليمن “وقد كثر الحديث عن الجمهورية في اليمن، والامتداح الذي يجعل منها منافسة للجمهوريات الغربية، بل وأفضل منها.. ولأجل ذلك وغيره توجب التعريف بهذا النظام الغريب المسمى (جمهوري)،،،،،، وأرجو من الله التوفيق في بيان حقيقة هذا النظام”.

وصف النظام الجمهوري بالنظام الغريب المسمى (جمهوري) وهكذا وضعها بين قوسين دلالة على عدم موافقته لهذا التوصيف لدولة اليمنيين.

ولهذا وضع تعريفاً خاصاً بالنظام الجمهوري في اليمن باعتباره “الحكومة التي يتولى فيها الرئيس منصبه عن طريق الانقلاب أو الاختيار القبلي، أو الوراثي ولمدى الحياة، أو الانقلاب”، مؤكداً أن الدستور يعطي هذا الرئيس صلاحيات مطلقة بالسلطة لا تنتهي إلا بموته أو الانقلاب عليه.

إذن، فالنظام الجمهوري وفقاً للشامي مجرد سلطة انقلابية أو موروثة، وليس نظاماً رسمته ثورة سبتمبر وعززته الديمقراطية والتعددية السياسية بعد الوحدة، ليتم الوصول لمنصب الرئاسة وفقاً لانتخابات مباشرة، كما حدث في اليمن، فالانتخابات في قاموس جماعة عبدالملك لعبة، تتعارض مع الولاية وحق أسرة بدرالدين في السيطرة على اليمن واليمنيين.

“وقد بدأت الجمهورية عهدها بالدماء منذ 26 سبتمبر 1962” هكذا أكد الشامي بكل ثقة بداية الجمهورية، أما أركانها فقد حددها في ثلاثة أركان وهي (التدخل الخارجي، والانقلاب الداخلي، والهيمنة الخارجية).

برر لذلك بقوله إن هناك مبشرين أجانب وجدوا أن اليمن ما زالت محافظة على عاداتها وسلامة “مذاهبها الدينية”، فوضعوا الخطط وكتبوا الدستور وانخدع بهم كثير من “الهمج الرعاع”، هكذا وصف من آمن بالجمهورية، وكفر بالأئمة وطغيانهم، معتبراً ما قام الثوار مجرد خيانة من قبل عبدالله السلال الذي وثق فيه البدر ووصفه هنا بأنه ملك وليس إماماً، ولم يذكر منجزاته ولا طريقة وصوله للحكم ولا طبيعة حكمه، مجرد ملك وثق بعسكري فخانه، هكذا تم اختزال أهم حدث يمني في القرن العشرين.

أما دعم مصر عبدالناصر للثورة فهو الهيمنة الأجنبية التي صاغت الدستور اليمني، وصممت علم الجمهورية “وقد صنع العلم الجمهوري بأيد أجنبية”، قال هذا وكأنه لا يعلم أن الأئمة لم يؤسسوا مصنعاً واحداً في اليمن، بل هدموا المصانع التي كان الأتراك قد خلفوها عند مغادرتهم اليمن، وأن المقرات الحكومية العثمانية تحولت إلى قصور للإمام وأسرته.

ثم إن الشامي لم يتطرق للدعم البريطاني والأمريكي للإمام والمرتزقة الأجانب الذي وضعوا خطة الجنادل في حصار السبعين كبوب دينارد، ولا للطيران الإسرائيلي الذي قصف الأراضي اليمنية لدعم الإمام للعودة للسلطة، فذلك كله ليس تدخلاً أجنبياً طالما هو لدعم الأئمة، فإسرائيل أقرب للأئمة من عبدالناصر في نظر الشامي.

وقد صنف الشامي طبيعة الوصول إلى الحكم الجمهوري بالتقاسم القبلي بين سنحان وحاشد، وأن سنحان سيطرت منذ 1962، وتقاسم السلطة بعدها حزب المؤتمر “المملوك لصالح السنحاني” وحزب الإصلاح “المملوك لعبدالله الأحمر الحاشدي”، هكذا بالنص، أصبحت الأحزاب مملوكة لأشخاص لدى الشامي، بينما الميليشيات لم تكن ضمن خصومه، وليس بعد هذا التزوير للتاريخ لغة أكثر وقاحة وتضليلاً.

المضحك أن الجمهورية اليمنية أصبحت، حسب الشامي، عميلة للمملكة العربية السعودية التي وقفت بكل الوسائل والمال والسلاح والإعلام في صف الملكيين يومها، وهو ما لم يشر إليه، لأنه يريد سياقاً واحداً للرواية تضع الجمهورية في موضع العمالة والارتهان، والإمامة خارج السياق تماماً، وكأن اليمنيين لم يقرؤوا التاريخ ولم يعيشوا أحداثه أبداً.

لم يقف الرجل هنا بل اتهم الجمهورية بنشر الحروب الداخلية والتفرقة السلالية والمذهبية بين اليمنيين وكأنه يصف جماعة الحوثيين تماماً، فقد اتهم الآباء الأوائل للجمهورية مثل السلال والزبيري والإرياني والنعمان بنشر التفرقة السلالية والنعرة القحطانية والعدنانية، وكأن جماعته التي تدعو للولاية واحتكار الحكم تقوم بتوحيد اليمنيين، وكأن إلغاء السلال لوصف السيد، واعتبار المساواة بين اليمنيين وإلغاء الطبقات والامتيازات هدفاً رئيسياً للثورة هو التفرقة التي يراها الشامي وجماعته التي أصبح وصف (السيد) فيها اختصاراً لاسم وصفة زعيم الجماعة، وأن سائر اليمنيين عبيد له بالمقابل اللغوي البديهي.

ومزيداً من التزوير قال الشامي إن الجمهورية ألغت المذهبين الزيدي والشافعي، ونشرت الوهابية كبديل، متناسياً أن نظام حكم الأئمة كان قائماً على الطائفية والمذهبية وأن زيود اليمن وشوافعها قد ضاقوا بالأئمة ونظامهم واستبدادهم، رغم اعتمادهم للمذهب الزيدي رسمياً في القضاء والمحاكم، فقد حاول إسقاط كل مساوئ الأئمة على الجمهورية بشكل سافر وتزوير واضح دون خجل، لدرجة قول المؤلف إن إلغاء الاحتفال بعيد الغدير هو عمل طائفي، رغم أن المنطق يقول إن الاحتفال بالغدير هو الطائفية ذاتها وليس العكس، وأنه تحريف لعادة اليمنيين بتوديع عيد الأضحى في يوم “النشور”.

ومن العجيب جمع الشامي بين ما وصفه بـ”الاحتلال المصري السوفييتي” لليمن منذ 1962، وبين دعم أمريكا للجمهورية، فإذا قبلنا بدعم القاهرة وموسكو للجمهورية وهذا حدث فعلا ولم يكن احتلالاً، كما وصفه، فكيف دعمت أمريكا الجمهورية وهي من حاربت مصر والاتحاد السوفييتي في اليمن وعرف عنها العداء الصريح لهم في إطار صراع المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي يومها، وفي إطار توريط ناصر بحرب اليمن لتمكين إسرائيل من هزيمته، ودعمت الملكيين بكل أنواع السلاح من أجل ذلك؟!

وقد اعتبر المؤلف أن الانقلاب أو الاغتيال هما وسيلة انتقال السلطة في النظام الجمهوري، مستشهداً بما حدث لزعماء الجمهورية، دون الإشارة لدور الإمامة في ذلك، بل إنه أضاف طريقة ثالثة لانتقال السلطة في النظام الجمهوري وهي (التوريث)، وقال إن صالح يسعى لتوريث نجله الحكم، رغم أن الكتيب صدر في ظل تحالف الحوثي مع صالح، وبعد مغادرة الأخير السلطة، ومغادرة نجله اليمن، المهم إثبات رؤيتهم للجمهورية وتشويهها كما يريدون، وكأن الحقائق غائبة عن عيون الشعب اليمني كلياً، أو كأن انتقال السلطة في عهد الأئمة كان يتم عبر الانتخابات الحرة والمباشرة، وليس عبر الجهاز التناسلي، حد تعبير المشير السلال.

وصف المؤلف الجيش الجمهوري والقضاء والتعليم بكل أنواع التحقير والتشويه، وحتى البرلمان المؤسسة التي مثلت ذروة ما توصل إليه اليمنيون من فصل بين السلطات التي كان الإمام يضعها (على انعدامها مؤسسياً في عهده) في يده وحده، لقد أكد الشامي أن البرلمان يتم تقاسمه أيضاً، فثلثان يأخذهما الرئيس له، والثلث الباقي يمنحه لحليفه (الإصلاح)، واصفاً أعضاء البرلمان بالجهل والأمية، رغم أن سيده حسين استمات للوصول إلى البرلمان في 1993، وسيده يحيى أيضاً، وإن كان وصفه ينطبق عليهما تماماً في الحقيقة، وكان تمكين يحيى الحوثي من وزارة التربية والتعليم في عهد جماعته تعبيراً واضحاً عن جهود الحوثيين في نشر التعليم والعلوم في اليمن، خاصة وهو لم يلتحق بأي مدرسة في حياته !!

لا يخجل الحوثيون وهم يزورون التاريخ، فتلك وسيلتهم لمصادرة حق اليمنيين في الحياة والحرية والكرامة والديمقراطية، وبدون تزوير التاريخ ستعود الجماعة إلى كهفها البدائي قبل مئات السنين.

لقد أثبت التاريخ أن محاولات تزوير وتشويه منجزات ومخرجات نضال الشعوب، يأتي دائماً بنتائج عكسية، ولهذا فالحوثيون يحفرون لأنفسهم مكانة لائقة في مزبلة التاريخ اليمني من حيث لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى