مقالات

أنظمة الحكم .. وسياسة الهروب إلى الأمام ..!!

✍ إبراهيم ناصر الجرفي ..

من المعلوم لدى الجميع بأن هناك العديد من السياسات ، التي تلجأ لها الأنظمة السياسية ، وخصوصاً الأنظمة الفاشلة والفاسدة والمأزومة داخلياً ، وذلك لمواجهة فشلها وعجزها في إدارة شئون الدولة ، ولمواجهة الاستياء والغضب الشعبي ، ولمواجهة الفساد والعبث والفوضى ، ولمواجهة الأزمات والمشاكل التي تعصف بها ، ومن تلك السياسات ، اللجوء لممارسة المزيد من الاستبداد والقمع ، والمبالغة في تلميع النظام السياسي إعلامياً ، وصناعة الخلافات والمشاكل بين الأطراف الداخلية لإشغالها في بعضها البعض ، بهدف إستنفاذ قوتها وطاقتها ، تحت مبدأ فرق تسد ‘ وهكذا ..!!

ولكن تظل سياسة الهروب إلى الأمام ، من أهم السياسات ، التي تلجأ لها الآنظمة السياسية الحاكمة ، لمواجهة أزماتها وعجزها وفشلها ومشاكلها الداخلية ، وذلك بدلاً من أن تقف مع نفسها بجدية لمعالجة القضايا والأزمات العالقة ، وتظن أنها بسياسة الهروب إلى الأمام ، تمنح نفسها مجالاً من الوقت لحلحلة مشاكلها وأزماتها ، بمعنى أنها تراهن على الوقت ، وعلى الأحداث ، وعلى الحظ ، وعلى المتغيرات الإقليمية والدولية ‘ وعلى هامش صغير للتخطيط والمعالجات القائمة على الدراسات العلمية والبحثية ..!!

ومن أهم سياسات الهروب إلى الأمام التي عادةً ما تلجأ لها أنظمة الحكم المأزومة داخلياً ‘ البحث عن مشاكل مع دول خارجية ‘ حتى لو ترتب على ذلك نشوب الحروب والصراعات ‘ دون اعتبار للنتائج الكارثية المترتبة على ذلك ، فالهدف هو إشغال الرأي العام الداخلي في الشأن الخارجي ‘ وغض الطرف عن مشاكله الداخلية ‘ بل إن أنظمة الحكم تذهب بعيداً في ذلك ‘ حيث تستغل هكذا ظروف لتمرير ما لم تكن تستطيع تمريره خلال فترة السلم ‘ كما أن هكذا وضع يمنحها السلطة في قمع كل القوى والأصوات المعارضة لها ‘ ويعطيها الفرصة المناسبة للتنصل عن الكثير من إلتزاماتها تجاه شعبها ‘ لذلك تظل الشعوب هي المتضرر الأكبر من الحروب والصراعات ‘ لأنها لا تجني منها سوى الدمار والخراب والمعاناة والكوارث ‘ بينما الأنظمة السياسية الحاكمة قد تستغلها لتحقيق العديد من المكاسب ‘ وقد تمنحها الفرصة للهروب من أزماتها الداخلية ..!!

وعندما تقرر الأنظمة السياسية اللجوء لسياسة الهروب إلى الأمام ، فٱنه لا يهمها ما يترتب على ذلك من إستنزاف وإهدار لقدرات وطاقات شعوبها ، مهما كان ذلك الإستنزاف عشوائياً وجائراً ، ومهما ترتب على ذلك من معاناة وكوارث ومآسي ، وفي ظل هكذا سياسات غير مدروسة ، قد تأتي الضربة القاصمة لهذا النظام أو ذاك ، من حيث لا يحتسب ، فقد تأتي له من المكان الذي كان يأمن جانبه ، وقد تأتي له من الداخل من خلال حراك شعبي ، وعندها وبعد فوات الأوان يدرك ذلك النظام ، بأن هروبه إلى الأمام في ظل حسابات عشوائية ، لم يجني منه سوى الخسارة ، خصوصاً إذا كانت المتغيرات الاقليمية والدولية لا تعمل في مصلحة الأهداف والسياسات التي يسعى إلى تحقيقها ..!!

لذلك …..
فإن سياسة الهروب إلى الأمام ، التي عادةً ما تلجأ لها الأنظمة السياسية المأزومة ، ليست أكثر من مجازفة وتهور ومغامرة غير محسوبة العواقب ، وعادةً ما تكون نتائج هكذا سياسة كارثية ومأساوية على الشعوب ، وقد تتسبب في زوال ونهاية تلك الأنظمة ، وهذه هي النتيجة الطبيعية لأي سياسة ، لا تعتمد على العقل والمنطق ، والدراسات العلمية والبحثية ، ولا تعتمد على القدرات والٱمكانيات المتاحة ، وتعتمد فقط على الوقت والمجازفة والمغامرة والحظ ، في إنتظار متغيرات إقليمية أو دولية ، قد تغير المعادلة لمصلحة هكذا أنظمة ، وهذا نادر الحدوث ..!!

ومن العجيب …..
أننا اليوم نعيش في القرن الواحد والعشرين ، قرن التكنولوجيا والعلم وتقنية المعلومات ، ولا تزال هناك أنظمة سياسية تعتمد في سياساتها على الحظ والصدفة ، وتبني سياساتها على المجازفة والمغامرة ، في ظل الوفرة العلمية والتكنولوجية والتقنية المتاحة ، التي تساعد أي نظام سياسي ، على بناء سياساته بشكل مدروس ومخطط بدقة عالية ، وهذا هو حال الأنظمة السياسية المتقدمة الناجحة دائماً ، التي تتحرك وفق أسس وخطط مدروسة لا مجال فيها للحظ أو الصدفة ، أو المغامرة ، وهنا يكمن الفرق بينها وبين تلك الانظمة الفاشلة والمجازفة والمغامرة والمراهنة على الوقت والحظ والصدفة لمعالجة أزماتها المتراكمة ..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى