عربية ودولية

لماذا حضرت “الوفاق” البحرينية حفل تنصيب رئيسي؟

أدى إبراهم رئيسي القسم في “مجلس الشورى”، 5 أغسطس الجاري، كرئيس لإيران، وسط حضور عدد من الشخصيات العربية والأجنبية والسفراء المعتمدين في إيران.

إلا أن المشاركة الأبرز كانت لما يعرف بـ”محور المقاومة”، حيث حضرت قيادات لأحزاب وتشكيلات يُنظر إليها بوصفها “حلفاء وأصدقاء إيران، وأذرعها العسكرية والسياسية” في الشرق الأوسط.

“حزب الله” شارك في المراسم ممثلاً بنائب أمينه العام نعيم قاسم، وحركة “الجهاد الإسلامي” حضر أمينها العام زياد نخالة، إضافة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، ورئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض، ونائب الأمين العام لـ”جميعة الوفاق” حسين الديهي، فيما مثل “الحوثيين” الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام.

مشاركة “الوفاق”!

عندما فاز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يونيو الماضي، تلقى عدداً من برقيات التهاني، وأصدرت جهات عدة بيانات مباركة، كان من بينها “ائتلاف شباب 14 فبراير”، المناوئ لنظام الحكم في البحرين، والمُصنف في المملكة كحركة “إرهابية”، حيث أصدر “الائتلاف” بياناً اعتبر فيه عملية الانتخاب “انتصاراً على المؤامرات الدولية المنظمة التي تحاك لإيران بغرض إفشال انتخاباتها الديمقراطية”!

إلا أنه في مراسم تنصيب إبراهيم رئيسي، حضرت جمعية كانت لها صفة رسمية سابقاً، ونواباً في البرلمان البحريني، قبل أن يستقيلوا العام 2011، ألا وهي “جمعية الوفاق”، التي استقبل رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، نائب أمينها العام حسين الديهي.

يشار إلى أن جمعية الوفاق هي منحلة بقرار رسمي من السلطات البحرينية.

أما عن حضور الديهي فقد أثار عدداً من ردود الأفعال الناقدة، فقد كتبت الصحافية البحرينية وفاء العم في حسابها بمنصة “تويتر”، قائلة إن “انخراط الوفاق في المشاريع الإقليمية علانية من قبيل المشاركة في تنصيب الرئيس رئيسي انتحار سياسي، ويزيد من عزلتها السياسية بعد أن كانت أكبر الفاعلين”.

“ضياع وخسران”

مصدر متابعٌ لتاريخ “الوفاق” ونشاطها السياسي منذ تأسيسها، وفي حديث خاصٍ مع “العربية.نت”، اعتبر ما قامت به الجمعية “ضياعا وخسرانا”، مضيفاً “هنالك عدم رضى من أوساط واسعة من المثقفين والسياسيين الواعين، الذين يرون هذا السلوك تصرفاً غير مسؤول، خصوصاً أن الحكومة البحرينية قاطعت مراسم التنصيب، فيما يأتي شخص من المعارضة ويحضر الحفل كجزء من محور المقاومة”!

صورة تظهر حسين الديهي مشاركا في حفل تنصيب إبراهيم رئيسي

صورة تظهر حسين الديهي مشاركا في حفل تنصيب إبراهيم رئيسي

الأسباب والدوافع!

هنالك أنباء تقول إن “هنالك ما يشبه الاستدعاء من الحرس الثوري، وطلب الحضور لحسين الديهي”، بحسب المصدر الذي تحدث لـ”العربية.نت”، مبيناً “ليس هنالك تأكيد دقيق جداً لخبر مطلب الحرس الثوري، إلا أن الديهي كان لديه استعداد للحضور، ليقول إن الوفاق هي الجمعية الرئيسية المعارضة في البحرين، وإنه شخصياً مقبولٌ لدى القيادة في إيران”. لكن ما هو الهدف من ذلك؟ يضيف المصدر “يأتي هذا الحضور ضمن إطار المنافسة بين جمعية “الوفاق” وباقي التشكيلات المعارضة مثل “حق” و”الوفاء” و”الائتلاف”، وكل طرف يريد إثبات أحقيته وجدارته”.

المتابعون لردات الفعل يرصدون تأييداً في بعض أوساط “الوفاق”، بسبب ما يعتبرونه “اعترافاً من إيران بأن الوفاق هي الرقم الصعب في العملية السياسية في البحرين، ولا يمكن تخطيها”، وهو تأييد يقابله “عدم رضى حتى بين الجمهور العام من البحرينيين المتعاطفين أو المؤيدين للوفاق، لأنهم ضد أي خطوات تؤثر على الاستقرار في البحرين، ويريدون العيش دون مشكلات سياسية أو أمنية”.

عيسى قاسم

عيسى قاسم

“العربية.نت”، وفي حديثها مع المصدرِ العارف بسياسات “جمعية الوفاق”، توقع أن “المشاركة سيكون لها تداعيات سلبية، وستقضي على ما تبقى من تاريخ الحركة السياسي في الداخل، ويقيد عمل المعتدلين منها الداعمين للتواصل مع مؤسسة الحكم في البحرين، ويجعل عملها يكون في الخارج على غرار حركة “أحرار البحرين” في العاصمة البريطانية لندن”، مضيفاً “المشكلة أن نائب الأمين العام حسين الديهي شخصية لا تمتلك خبرة وفهماً سياسياً كافياً، وهو شخصية تقوم بمهام إدارية أكثر منها ذات أداء سياسي ناضج”!

عباءة قاسم!

رجل الدين عيسى قاسم، الذي يحظى بشعبية واسعة لدى جمهور “جمعية الوفاق”، والمقيم في إيران، بُعيد أن تم إسقاط جنسيته البحرينية، ومنذ أن غادر مملكة البحرين وأنهى فترة العلاج، لوحظ تمركزه الواضح ضمن ما يعرف بـ”محور المقاومة”، وباتت تنشر له صور مركبة أو مرسومة إلى جوار القائد السابق لـ”فيلق القدس” قاسم سليماني، والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، والقيادي السابق في “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.. وسواهم.

هذا التموضع الذي اتخذه قاسم بناء على خياراته العقدية والسياسية، أثر بشكل مباشر على “الوفاق”، التي يُعتبر بالنسبة لها بمثابة “الأب الروحي”، و”الفقيه” الذي تمتثل لأمره وتستمع لتوجيهاته.

البقاء في ظل عيسى قاسم، وإسباغ رتبة علمية عليه كـ”آية الله”، لم يكن سلوكاً وفاقياً طارئاً، بل هو منهاج مضت عليه الجمعية منذ كان لها حضور رسمي في البحرين، ولها ممثلوها في البرلمان.

حسين الديهي في البرلمان الإيراني

حسين الديهي في البرلمان الإيراني

يعود ذلك للصبغة “الإسلامية” التي تتصف بها الجمعية. فهي رغم محاولاتها أن تكون صاحبة برنامج ورؤية وطنية لمختلف البحرينيين، وعدلت من مسماها وأضافت صفة “الوطني” بشكل رسمي، إلا أنها بقيت مطيعة لأفكار “الفقيه” أي عيسى قاسم؛ وهو ما أضر بها كثيراً بنظر العديد من المراقبين، وجعل الجناح الإصلاحي فيها أقل قدرة على التأثير، رغم أن عدداً من القياديين السابقين في “جمعية الوفاق” لا يخفون في أحاديثهم الخاصة، وبعضهم يجاهر علناً بدعم “مدنية وعلمانية الدولة”، إلا أن هؤلاء يبقى تأثيرهم محدوداً قبالة الجناح الأكثر محافظة.

أخطاء متكررة!

بُعيد الاحتجاجات والأحداث التي شهدتها مملكة البحرين، فبراير 2011، أعلن نواب “جمعية الوفاق”، الذين يمثلون أكبر كتلة برلمانية، استقالتهم من المجلس، وهي الخطوة التي عدها متابعون للتطورات حينها بمثابة “الخطأ السياسي الجسيم”.

يروي مصدر قائلاً “اتصلت حينها بقيادي في الوفاق، وقلت له: كيف تستقيلون من البرلمان، وتنفون عن نفسكم الشرعية؛ هذا خطأ! كان يفترض أن تبقوا داخل المجلس وتطالبون بالإصلاحات وأنتم تحت قبته”، مضيفاً “خاطبت الشخصية الوفاقية قائلاً لها: يجب أن تقودوا أنتم الجمهور العام، لا أن يقودكم هو”.

كان ذلك الخطأ الأول، فيما الخطأ الثاني، برأي مراقب خليجي وباحث كان حينها في البحرين، أن “الوفاق أفسحت المجال للتيارات المعارضة الراديكالية والأصوات المتشددة، خصوصاً لقيادات مثل حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين، و”الائتلاف من أجل الجمهورية”، فيما كان لدى الوفاق سيطرة كبيرة على الشارع العام، إلا أنها لم ترد الاصطدام مع التشكيلات الباقية وإن كانت أقل قوة منها، وهذا النوع من الأداء لم يكن صحيحاً، بل كان خطأ سياسيا بالغاً، حيث كان يجب أن تصر الوفاق على خطاب وطني صريح وواضح وترفض الشعارات الجذرية التي رفعتها القيادات الأخرى”.

فبراير 2011، أصدر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أمراً ملكياً، أذاعه التلفزيون الرسمي، جاء فيه أنه قرر منح ولي العهد جميع الصلاحيات اللازمة لتحقيق الآمال والتطلعات التي يصبو إليها المواطنون بكافة أطيافهم، كما ناشد جميع أبناء المملكة التجاوب مع تلك المبادرة “بكل محبة وإخلاص”، كما نقل موقع CNN حينها ووكالات الأنباء العالمية.

هذا التحرك الذي قاده ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وتواصل فيه مع قيادات “جمعية الوفاق” بشكل رئيسي، لم تتعامل معه الجمعية بعقل سياسي يستشرف المستقبل ويعرف تعقيدات الواقع؛ بل ظنت أنها تستطيع أن تكون لها “اليد العليا”، إضافة لأنها وقعت تحت تأثير جمهور الجماعات المعارضة الراديكالية، الأمر الذي أدى لأن تهدر فرصة حقيقة أتت برعاية ملكية مباشرة، وكانت بوابة لإصلاحات قابلة للتحقق.

ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة مستقبلا علي سلمان

ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة مستقبلا علي سلمان

العام 2014، نقلت وكالة “رويترز”، أن متحدثاً باسم الحكومة البحرينية قال في بيان “إن لقاء ولي العهد الأمير سلمان آل خليفة بزعيم المعارضة الشيعية يوم الأربعاء، لإحياء محادثات المصالحة، جاء بمبادرة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة”، مضيفاً “المحادثات التي ستجري في المستقبل ستركز على قضايا منها القطاع التشريعي والقضائي والدوائر الانتخابية”.

حيث وزعت “وكالة أنباء البحرين” حينها صورة يظهر فيها ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، والأمين العام لـ”جميعة الوفاق” الشيخ علي سلمان.

“رويترز”، وبحسب الخبر الذي نشرته، نقلت أجزاء من بيان جمعيات “المعارضة” الخمس الرئيسية، جاء فيه “بدعوة من ولي العهد التقت القوى الوطنية الديمقراطية.. به لتدارس سبل إيجاد حوار جاد ينتج صيغة سياسية جديدة، تشكل حلاً شاملاً ودائماً يحقق تطلعات جميع البحرينيين نحو الحرية والمساواة والتحول الديمقراطي، وذكرت أن اللقاء “تميز بالصراحة والشفافية التامة”.

إلا أن الذي حصل، أنه عوض أن تنخرط “الوفاق” والجمعيات “المعارضة” في العملية السياسية السلمية، قاطعت هذه الجمعيات الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2014، رغم أنها تلقت نصائح عدة بالمشاركة من أكثر من جهة داخلية وخارجية، وهي الخطوة التي أتت بمثابة قطع صلة الوصل بين “المعارضة” و”مؤسسة الحكم”، وأدت تالياً إلى حل الجمعيات السياسية.

يقول صحافي بحريني مقيمٌ في الخارج “تواصلت مع شخصيات في جمعية الوفاق، ونصحتهم بالمشاركة في الانتخابات والدخول في العملية الديمقراطية، وأن عدم المشاركة سوف يقرأ بشكل سلبي ويؤثر على مستقبلهم، إلا أنهم لم يأخذوا بوجهة نظري، وتبين لهم لاحقاً أن حساباتهم كانت خاطئة وغير واقعية”، مضيفاً “للأسف ليس هنالك قدرة لدى الوفاق على المراجعة العلنية لسياساتها والاعتراف بالأخطاء، وذلك بسبب افتقادها للمشروع السياسي والرؤية التي تمكنها من ذلك”.

ذروة هذه “الأخطاء المتكررة”، بنظر مصدر تحدث لـ”العربية.نت”، هو “المشاركة في حفل تنصيب رئيسي، فهو بمثابة التصعيد السياسي غير المبرر ضد الحكومة البحرينية، والذي ستكون له تداعيات سلبية”، وهو ما لم يقرأ “الوفاقيون” تأثيره، أو يبدو أنهم غير مدركين للوضع المحلي والإقليمي، أو غير مبالين بما سيكون عليهم الحال مستقبلاً!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى