اخبار اليمن

قائمة طويلة من الانتهاكات | تقرير حقوقي يكشف فظائع “الإخوان” في شبوة

نقلا عن نيوزيمن | سلط تقرير استقصائي، أعدته الحقوقية “وداد الدوح”، الضوء على انتهاكات حزب الإصلاح الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين، لحقوق الانسان، وقمع حرية الإعلام والتعبير، في المناطق الواقعة تحت سيطرته جنوب البلاد، خاصة محافظة شبوة.

وكشف التقرير عن عديد من حالات انتهاك موثقة لحقوق الإنسان في شبوة، من قبل سلطة الإخوان المسيطرة على المحافظة، طالت المدنيين وتنوعت بين القتل والاختطاف والإخفاء والتعذيب والقمع وغيرها من الانتهاكات.

ويعيد “نيوزيمن”، نشر التقرير الذي حمل عنوان “قمْعُ الإعلام وحرية التعبير في المناطق الخاضعة لسيطرة الإصلاح من جنوب اليمن.. شبوة أنموذجاً”، في هذه المساحة، كما ورد من المصدر:

تبنَّت الأمم المتحدة عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة رقم19. وهو: (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخُّل، وانتقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).

وشكّلت اليمن فريقاً في العهد الدولي، وصدَّقت على تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وبالتالي فهي مُلزَمة بالقانون الدولي وبتطبيق أحكامه.

إلا أنّ حرية الإعلام والتعبير في اليمن تراجعت معدلاتها خلال الخمسة الأعوام الأخيرة إلى مؤشرات مخيفة، وتعود مجمل جرائم القمع والترهيب للحركات الدينية المتطرفة كالحوثيين شمالاً والإخوان المسلمين جنوباً.

ويفترض أن يحمي القانون والدستور حرية الإعلام والتعبير، وأن لا يكون هناك تدخل مُفرِط للدولة أو للحزب المسيطر على الدولة وعلى القرار السياسي فيها، كما هو الحال في المناطق الجنوبية التي تخضع محافظات وأجزاء منها لسيطرة الإخوان المسلمين، كأجزاء من محافظه أبين ومحافظة شبوة، ووادي حضرموت، والمهرة.

ولتوضيح ذلك لا بدَّ من إعطاء لمحة حول أيديولوجيا الإخوان التي ينتمي لها حزب الإصلاح في اليمن، وكيف تمكنوا من الاستحواذ على الإعلام والسيطرة على جميع أدواته.

فالإخوان المسلمون في اليمن، وهم من يعرفون بحزب الإصلاح اليمني، وهو أقوى الأحزاب الدينية المتطرفة والمسيطرة على القرار السياسي في حكومة الشرعية- تعود (أفكاره العقائدية) إلى إلغاء الآخرين الذين يختلفون معه، ليس هذا فحسب، بل ومصادرة حقوقهم في التعبير أكان بالقمع والتهديد أم بالاغتيالات، وهي التي طالت الكثير من الإعلاميين والنشطاء السياسيين والحقوقيين. وكان أبرزها اغتيال الإعلامي نبيل القعيطي.

فالفكر السياسي الموروث لديهم هو من يتحكم اليوم بمفهوم الدولة، ومن خلال ذلك تمكن حزب الإصلاح من تقييد والسيطرة على مفاصل الإعلام بكل صوره وأشكاله.

أما عن سيطرة حزب الإصلاح على الإعلام لم يكن وليد اللحظة، بل سبق ذلك أحداث مهّدت لهذا الحزب هذا التمكُّن والسيطرة على وزارة الإعلام والوزارة الحيوية في الدولة..

كانت أولى تلك الخطوات بعد حرب 1994، الحرب التي شنها علي عبدالله صالح وقواته على الجنوب.

اتبع حزب الإصلاح اليمني هذا النهج كسياسة له بعد حرب 1994 على الجنوب، حيث استغل هذا الفراغ الذي جرى بعد خروج الطرف الجنوبي من المعادلة ليستحوذ على النصيب الأكبر من الجنوب.

فبدأ بافتتاح العشرات من المعاهد الدينية ذات النهج الإخواني الذى يدعي الصوابية، وأن كل من يخرج عنه أو ينتقده هو في ضلال.

واعتمد حزب الإصلاح كذلك على الجمعيات الخيرية والمنظمات والمخيمات الصيفية، والأهم من ذلك هو سيطرته على منابر المساجد، ثم انتقل بسلاسة إلى السيطرة على إدارة التعليم، حيث عمد إلى تغيير مديري المدارس واستبدالهم بآخرين ينتمون لهم ولفكرهم المتطرف، كما استغلوا الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء هناك بعد تسريحه عشرات الآلاف من موظفي الدولة في الجنوب، وهي السياسة التي أعملها نظام علي عبدالله صالح -آنذاك- تجاه الجنوبيين، ومن خلال ذلك استطاع حزب الإصلاح التسويق للفكر الإخواني في عقول النشء الذين تم استخدامهم والضخ بهم بعد ذلك في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

ومن نراهم اليوم في رأس قيادة شبوة، كالمحافظ بن عديو والوكلاء ورؤساء الدوائر، هم من مخرجات معاهد الإصلاح.

أما الخطوة الأخرى والتي زادت من تمكين حزب الإصلاح واتساع سيطرته على الإعلام كانت فور تسلمه وزارة الإعلام في حكومة الوفاق الوطني ما بين (2012_ 2014)، حيث اعتمد حزب الإصلاح على ممارسة الأساليب الإقصائية ضد الكوادر الإعلامية الجنوبية تحديداً، وهي من ضمن خططه الرامية إلى إعادة هيكلة مختلف المؤسسات والقطاعات وفروع الوزارات والملحقية الإعلامية في مختلف السفارات، حتى أصبحت المؤسسات الإعلامية تُخترق وتتآكل إلى أن وصلت سيطرة هذا الحزب على مؤسسات إعلام حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي فيما بعد.

ولأنه لكل منا حرية الرأي والتعبير، وله الحق بالمطالبة بواقع أفضل، وله الحق في الاتفاق وفي التعبير عن هذه الآراء عن طريق الاحتجاجات السلمية.. فإن ممارسة هذه الحقوق- بدون خوف أو تدخل جزء من الكرامة الإنسانية التي هي من أولى أولوياتنا. ولكن في محافظة شبوة الوضع مختلف تماماً، فبعد أحداث أغسطس 2019 وبعد انسحاب قوات النخبة الشبوانية عاد حزب الإصلاح للسيطرة على محافظة شبوة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل أكبر وأكثر عنفاً، وعمد فيها إلى قمع الإعلام وحرية التعبير بشكل أوسع حتى يسهل له تمرير الكثير من الانتهاكات والجرائم دون أن تكون هناك أي رقابة عليه، واعتمدت هذه القوات على السجون السرية في إخفاء كل من يعارضها ويرفض أعمالها في المحافظة، كما اعتمدت أيضاً على جلب الكثير من المتطرفين والإرهابيين إلى صفوفها وانضمامهم إليها حتى أصبحت تشكل جماعات مسلحة تمارس كل أساليب القتل والتعذيب والاعتقال مع كل من يخالفها الرأي، وكل من يساهم بنشر وكشف تلك الانتهاكات عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، فأساليب العنف وإسكات الأصوات هي جزء لا يتجزأ من تلك الأيديولوجية البعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية العصرية والتي تضمن حق الآخرين في التعبير.

ونتيجة لتلك الممارسات اللا قانونية لقوات حزب الإصلاح في محافظة شبوة، خرج أبناء المحافظة في مظاهرات سلمية للتعبير عن رفضهم لذلك التواجد في محافظتهم، وقوبلت -حينها- تلك المظاهرات السلمية بكل أساليب القمع، حيث مارست عليهم القوة المفرطة والترهيب.. قامت قوات حزب الإصلاح باستخدام الرصاص الحي على المتظاهرين.

في يوم 3 أكتوبر 2019م أقدمت قوات موالية لحزب الإصلاح اليمني “الإخوان المسلمين” بمحافظة شبوة مدينة عزان على قمع تظاهرة سلمية دعت لها منظمات المجتمع المدني للتعبير عن رأيهم والوقوف ضد الانفلات الأمني الذي تشهده المحافظة وخاصة مديرية ميفعة، حيث تفشت جرائم الاغتيالات من قِبل مجهولين يُشتبه بأنهم من تنظيم القاعدة، وذلك بعد خروج قوات النخبة الشبوانية في أغسطس/آب 2019م.

حيث قامت تلك القوات باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين سلمياً، وتم اغتيال المواطن سعيد محمد تاجرة بعد توجيه نحوه عدة طلقات نارية مباشرة بالرصاص الحي ومن مسافة صفر ليتم إرداءه قتيلاً على الفور، وبعد ذلك تم إطلاق النار بشكل عشوائي من مجموعة من الجنود أصيب على إثرها مواطنان.

لم تكتفِ تلك القوات الموالية للإخوان المسلمين بما فعلته من بطش مفرط تجاه المواطنين العُزَّل الذين لا يحملون السلاح، بل أقدمت على الزج بأكثر من 50 معتقلاً في سجونها، بينهم ثلاثة إعلاميين: (صالح مساوي، عبدالرحمن العشملي، وعبدالكريم الكربي)..

لم تنتهِ أحداث ذلك اليوم الدموي الكئيب، ويحاول السكان نسيانه، إلا أن تلك القوات التابعة للجماعات الإسلامية المتطرفة استمرت في ذلك كسلوك ونهج تستخدمه لبث الخوف وترهيب المناوئين محاولة منها إسكات أصواتهم.

تجددت أحداث متعددة بنفس الآلية والنهج والأسلوب من استخدام القوة المفرطة، وقصف القرى بالدبابات والمدافع، وشن حملات الاعتقالات والتعذيب، مثلما حدث في مداهمة مديريات جردان ونصاب ولقموش بحبان، وذلك لمحاولة إسكات أصواتهم وتكميم أفواههم، حيث تم استخدام جميع أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ولأول مرة في شبوة يتم استخدام سلاح الدبابات والمدافع والدروع وقصف القرى والمنازل ضد الأهالي، وترهيب النساء والأطفال بأسلوب هيستيري لا يُصدق (لدينا تقارير تفصيلية حول تلك الحوادث في جردان ونصاب ولقموش حبان لمن أراد التأكد والاطلاع على تفاصيلها سيتم تزويده بذلك).

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2020م شهدت محافظة شبوة مظاهرة في منطقة المصينعة محافظة الصعيد، لكن قبلها تفاجأ أهالي شبوة بإصدار بيان ما تسمى اللجنة الأمنية لسلطة شبوة الموالية لحزب الإصلاح اليمني “الإخوان المسلمين”، وكان البيان شديد اللهجة يمنع فيه إقامة الفعالية السلمية المزمع إقامتها، وكان البيان يلوح باستخدام القوة لمنعها، ففي صبيحة يوم الخميس قامت قوات عسكرية وأمنية موالية للإخوان المسلمين بتطويق مداخل ومنافذ الطرق الرئيسية التي تؤدي إلى مكان الفعالية بمنطقة المصينعة واعتراض المواطنين الذاهبين للمشاركة في التظاهرة السلمية، حيث تم تسجيل أكثر من 85 معتقلاً، وهو أكبر رقم قياسي يسجل في محافظة شبوة، بحسب ناشطين حقوقيين، حيث تم اعتقال كل هؤلاء رغم تفاوت أعمارهم بين الطفل والشاب وكبار السن، والزج بهم في السجون، مكث بعضهم يومين، والبعض نصف يوم، وأطولهم لمدة أسبوع، كما تم إطلاق النار على وفود السيارات التي تحاول المرور عبر طرق فرعية بعيدة عن النقاط العسكرية. (يوجد كشف بأسماء جميع المعتقلين وتفاصيل اعتقالهم لمن يرغب بالاطلاع والتأكد عليه التواصل معنا بعد الندوة لاحقاً).

وللمزيد من الاطلاع حول قمع حرية التعبير، وممارسة القوة المفرطة والتعذيب والاعتقالات، فقد قامت مصادر حقوقية برصد أكثر من 600 معتقل منذ سيطرة الإخوان المسلمين على محافظة شبوة في أغسطس 2019م (حصلنا على قائمة بالمعتقلين الـ600 مزودة بتفاصيل مكان وزمان اعتقال كل فرد فيهم، لمن يرغب بالاطلاع التواصل معنا لتزويده بهذه القائمة).

لم تقتصر عمليات الاعتقالات والمطاردة للنشطاء والإعلاميين على فترة المظاهرات فقط، بل إن تلك الممارسات مستمرة بشكل يومي حتى اضطر الكثير من النشطاء والإعلاميين الهروب من محافظة شبوة إلى المحافظات الجنوبية الأخرى المحررة والتي لا تخضع لسيطرة قوات الإصلاح.

فكل الذين كان يقاومون هذه الانتهاكات وينتقدون تصرفات تلك القوات المحسوبة على حزب الإصلاح كانوا يواجهون المطاردة والاعتقال والتعذيب والتهديد المباشر بالتصفية الجسدية.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، اعتقل الإعلامي البارز جمال شنيتر مراسل قناة الغد المشرق في إحدى النقاط العسكرية في مداخل مدينة عزان أثناء ذهاب إلى منزله، وقد تم اعتقاله بشكل تعسفي دون إبداء أي توضيح عن التهمة الموجهة ضده أو إبلاغ أي من أهله وبدون أمر من النيابة العامة الجهة المخولة بتلك الإجراءات.

وفي مطلع شهر نوفمبر من العام 2019م تم اعتقال الإعلامي والصحفي إبراهيم حيدرة، وكالعادة بشكل تعسفي وبدون أمر من النيابة العامة، بل وبطريقة ميهنة أمام مرأى ومسمع من المتواجدين في سوق الجوالات بمدينة عتق.

وفي 20 فبراير/شباط من العام 2020م تم اعتقال الإعلامي والناشط الشهير في وسائل التواصل الاجتماعي “احمد فرج أبو خليفة” وبدون أي مسوغ قانوني يذكر.

وفي يوم 21 من يوليو/تموز 2020م، قامت قوات النجدة الموالية للإخوان المسلمين باعتقال تسعفي ضد الصحفي زبين عطية، مراسل قناة اليمن اليوم.

كما عمد حزب الإصلاح إلى إقصاء مدير مكتب الإعلام هناك الأستاذ علي سالم بن يحيى، واستبداله بعضو في الإصلاح حديث التخرج، فقط لأنه ينتمي لذات الحزب.

وآخر تلك الانتهاكات ضد الإعلاميين هي منذ أسبوعين بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 2020م، حيث تم اعتقال الإعلامي المعلق الرياضي عبدالرحمن الشيبة، من مدينة عتق نتيجة مواقفة السياسية في تغطية فعالية المصينعة مؤخراً.

الجدير بالذكر أن الإعلاميين الذين تم اعتقالهم أعلاه، وعبر إفادات شخصية منهم قد تعرضوا لأنواع من التعذيب بشكل قاسٍ، وتم سجنهم في معتقلات سرية غير رسمية عبارة عن غرف حديدية (كنتيرة) غير صالحة للاحتجاز أو للسكن الآدمي، ولا توجد فيها فتحات تهوية كافية مما أدى لإصابة بعض المعتقلين بأمراض تتعلق بالتنفس والصدر ومنهم الإعلامي جمال شنيتر.

ولا تزال ظروف احتجاز السجناء مزرية، وثمة إفادات شخصية من بعض الإعلاميين والمعتقلين بتعرُّضهم للتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي ورهن الحبس الانفرادي، ووضعهم في ظروف بائسة، وحرمانهم من الرعاية الطبية والمياه النظيفة والهواء النقي.

كما تم زجُّ العديد من سجناء الرأي في السجون بسبب تعليقات نشروها على منصات التواصل الاجتماعي، كل هذه الممارسات التي ينتهجها حزب الإصلاح في محافظة شبوة القصد منها تكميم الأفواه وإسكات الأصوات الرافضة لجرائمهم..

في الختام:

لا يزال مسلسل الترهيب والتهديد واستخدام القوة المفرطة مستمراً من قِبل تلك السلطات الموالية للإخوان المسلمين في شبوة، ولا يزال صمود أبناء شبوة أيضاً مستمراً، لكن ما يحز في النفس هو صمت التحالف العربي والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية الإنسانية على ما يجري لأبناء شبوة من قمع وترهيب واعتقالات وممارسات استخدام القوة المفرطة ضد المناوئين دون حسيب أو رقيب.. فإلى متى سيستمر هذا الحال؟

وإلى متى سيستمر هذا الصمت المريب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى