عربية ودولية

تقرير يفضح.. تحقيقات معيبة في جرائم حساسة بلبنان

سلطت “هيومن رايتس ووتش” الضوء على أوجه القصور المتعددة والإهمال الجسيم وانتهاكات الإجراءات في 4 تحقيقات بجرائم قتل ذات حساسية سياسية في العامين الماضيين تُظهِر كيف أن التمويل السخي والتدريب من المانحين لقوى الأمن والقضاء في لبنان لم يؤديا إلى سيادة القانون، وذلك في تقرير نشرته الخميس.

في التفاصيل راجعت المنظمة الدولية التحقيقات الأولية التي أجرتها “شعبة المعلومات” التابعة لـ”قوى الأمن الداخلي” تحت إشراف النيابة العامة في 4 جرائم قتل وسط اتهامات لمجموعات لها صلات سياسية أو ذات نفوذ سياسي بارتكابها. ولم يُحدَّد أي مشتبه به أو دوافع.

ضعف خطير وتقاعس

ويثير التقاعس المتكرر في اتباع الإجراءات والخيوط الحساسة سياسياً وتحديد المسؤولين عنها تساؤلات حول الكفاءة المهنية والحيادية في استجابة أجهزة إنفاذ القانون في لبنان، وهو ما يعرض العدالة والمساءلة إلى الخطر.

من جهتها قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش، إن “جرائم القتل التي لم تُحل والتحقيقات المعيبة فيها تذكّر بالضعف الخطير لسيادة القانون في لبنان في مواجهة النخب والجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة”، لافتة إلى أن “قوى الأمن والقضاء، التي تحظى في أحيان كثيرة بتمويل سخي وتدريب من الدول المانحة، لديها القدرات التقنية للتحقيق في جرائم القتل، لكنها تقاعست عن تحديد أي مشتبه بهم في هذه القضايا الحساسة أو اتباع خيوط تحقيق واضحة”.

4 جرائم

وراجعت هيومن رايتس ووتش القضايا التالية: لقمان سليم، الذي كان ينتقد ميليشيا حزب الله لفترة طويلة واغتيل في 3 فبراير 2021، وجو بجاني موظف اتصالات ومصور عسكري هاوٍ اغتيل بالرصاص في 21 ديسمبر 2020، والعقيد منير بو رجيلي ضابط جمارك متقاعد عُثر عليه ميتاً في منزله في 2 ديسمبر 2020 جراء إصابته بآلة حادة في رأسه، وأنطوان داغر رئيس قسم الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال والرئيس السابق لوحدة الامتثال في “بنك بيبلوس”، والذي طُعن حتى الموت في 4 يونيو 2020.

كما قابلت المنظمة أقارب القتلى، ومصادر قريبة من العائلات، ومحامين، وصحافيين، وخبراء في القانون الجزائي في لبنان، وراجعت ملفات قوى الأمن الداخلي المتوفرة ولقطات من مسرح الجريمة، وبعثت أيضاً برسائل إلى قوى الأمن الداخلي ووزارة العدل والنائب العام التمييزي تتضمن أسئلة حول سلوكهم أثناء تلك التحقيقات والإجراءات المعيارية للتحقيق في جرائم القتل.

غير أنها لم تتلق أي رد. ووجهت أيضاً رسائل إلى سفارات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي في لبنان للاستفسار عن المساعدات والتدريبات التي تقدمها للأجهزة الأمنية اللبنانية المتصلة بالتحقيقات الجنائية والطب الشرعي، وحصلت على ردود من بعثة الاتحاد الأوروبي والسفارتين الألمانية والأميركية.

عدم جدية قوى الأمن

شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أجرت جميع التحقيقات الأربعة، وقال محامون لـ”هيومن رايتس ووتش” إن الشعبة تتمتع بأحدث القدرات التقنية للتحقيق في الجرائم المشتبه بها. وتُجرى الاستجوابات الأولية تحت إشراف النيابة العامة، والتي توجه التهم ضد المشتبه بهم بناء على الأدلة، ثم تحيل النيابة العامة القضية إلى قاضي التحقيق، الذي يمكنه اختيار توسعة التحقيق قبل إصدار لائحة اتهام وإحالة القضية إلى المحاكمة.

إلى ذلك ذكر محامون وأقارب ومصادر مقربة من العائلات عدم جدية قوى الأمن في التعامل مع التحقيقات. والأهم من ذلك، عدم متابعة خيوط تحقيق مهمة لتحديد الدوافع المعقولة لقتلهم.

وقال أفراد الأُسر إن الأسئلة التي طُرحت عليهم كانت سطحية ومقتصرة على دوافع شخصية غير محتملة لعمليات القتل، متجاهلة على نحو سابق لأوانه السيناريوهات المحتملة الأخرى، بما في ذلك إمكانية ربط جرائم القتل بعمل الضحايا الحساس سياسياً. وأضافت العائلات أنه لم يُستجوب الأشخاص الرئيسيين الذين قد يكون لديهم معلومات حساسة وربما مهمة حول جرائم القتل أو الدافع.

كما أعربت العائلات والمحامون أيضاً عن ارتيابهم بشأن عدم تمكن المحققين من تحديد أي مشتبه بهم، رغم ارتكاب جرائم القتل قرب مناطق سكنية مكتظة، أو في وضح النهار، أو حتى أمام الكاميرا، كما في حالة بجاني.

انتهاكات إجرائية

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات إجرائية عدة لشعبة المعلومات في التحقيقات الأولية.

ففي قضيتي سليم وبجاني، أظهرت مقاطع الفيديو والصور التي حللتها المنظمة تقاعساً في تأمين مسرح الجريمة، إذ لم يُطوَّق أي منها بداية، ما سمح لمجهولين بملابس مدنية بلمس السيارتين اللتين عُثر فيهما على جثتي سليم وبجاني. وقد أثار هذا الأمر مخاوف بشأن احتمال وجود عبث بمسرح الجريمة.

وطلبت هيومن رايتس ووتش في رسالة إلى قوى الأمن الداخلي معلومات حول معاييرها وبروتوكولاتها لتأمين مسارح الجريمة، لكنها لم تتلق أي رد.

اسم مستعار

من جانبها قالت عائلات الضحايا ومصادر مقربة منها إن المحققين راجعوا محتويات هواتف بعض الشهود دون موافقتهم وأعادوا الأجهزة الإلكترونية وكاميرات المراقبة إلى العائلات بعد إزالة بياناتها. وأفاد 3 محامين تمت مقابلتهم بأنه من غير القانوني بموجب القانون المحلي حذف البيانات الشخصية.

وفي قضيتي بجاني وداغر، يبدو أن عناصر وضباط شعبة المعلومات عرّفوا عن أنفسهم أمام العائلات باسم مستعار هو “جاد ضو”. لكن، عندما اتصلت عائلة داغر بالفرع للتحدث مع جاد ضو، قالت الأسرة إنه قيل لها “كلهم جاد ضو”.

إذاً على الأرجح هذا الاسم نسخة مُعرَّبة من “جون دو” – وهو اسم مستعار بالإنجليزية يُستخدم عندما يكون الاسم الحقيقي مجهولاً أو يراد إخفاؤه عمداً. وفي هذا السياق قال محامون إنه من غير القانوني أيضاً بموجب القانون المحلي أن يعرّف عناصر وضباط الأمن عن أنفسهم بأسماء مستعارة.

كما ذكرت عائلة داغر أن المعلومات الحساسة التي شاركوها مع المحققين حول عمل داغر في بنك بيبلوس، والتي قد تكون ذات صلة بالتحقيق، حُذفت من محضر قوى الأمن الذي راجعته هيومن رايتس ووتش.

التدخل السياسي في القضاء

جميع المحامين والخبراء الذين تمت مقابلتهم لفتوا إلى أن لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخاصة شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، القدرات التدريبية والتقنية للتحقيق في جرائم القتل، وغالباً ما تكون قادرة على حل جرائم معقدة.

يشار إلى أنه منذ سنوات وثّقت منظمات حقوقية لبنانية ودولية التدخل السياسي في القضاء وانتقدت عدم استقلاليته. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش حالات سابقة تقاعس فيها القضاء عن الالتزام بسيادة القانون أو إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة في مزاعم بانتهاكات جسيمة. وفي 2018، أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها بشأن “ممارسة ضغوط سياسية على السلطة القضائية اللبنانية كما يُشاع، لا سيما في تعيين المدعين العامين وقضاة التحقيق الرئيسيين، وإزاء الادعاءات بأن السياسيين يستخدمون نفوذهم لحماية مؤيديهم من الملاحقة القضائية”.

ووفق هيومن رايتس ووتش، على السلطات اللبنانية ضمان أن تكون تحقيقاتها في القتل سريعة وشاملة وحيادية وأن تستوفي أعلى المعايير المتعلقة بالأدلة. كذلك على النيابة العامة وقوى الأمن الداخلي فتح تحقيقات في مزاعم سوء السلوك والإهمال الجسيم لأعضائها في التعامل مع هذه التحقيقات، وضمان محاسبة المسؤولين. وعلى قضاة التحقيق توسيع نطاق هذه التحقيقات لضمان تحرّي جميع الخيوط بشكل نزيه.

تقديم شكاوى

كما ينبغي أيضاً للسلطات احترام حقوق الضحايا بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإبلاغ أسرهم بنتائج التحقيقات الجارية. وعلى مجلس النواب أن يتبنى على وجه السرعة قانوناً يضمن استقلالية القضاء بما يستوفي المعايير الدولية. وينبغي وضع أنظمة للسماح لأعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة وقوى الأمن الداخلي بتقديم شكاوى حول التدخل السياسي في التحقيقات وملاحقات العدالة الجنائية بشكل آمن.

إلى ذلك صرحت بعثة الاتحاد الأوروبي وسفارتا ألمانيا والولايات المتحدة لـ”هيومن رايتس ووتش” أنها قدمت مجموعة من التدريبات والمساعدات إلى قوى الأمن الداخلي ووزارة العدل على مدار السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك في مجال تحسين الاحترافية، والاستخدام الفعال للأدلة الشرعية والبيومترية، وإدارة الأدلة الجنائية، ومراقبة الجريمة المنظمة، وإدارة مسرح الجريمة.

وقالت مجذوب: “حوّل المجتمع الدولي ملايين الدولارات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية على مر السنين، لكن من الواضح أن هذا لم يلغِ ثقافة الإفلات من العقاب السائدة”، مشددة: “على المانحين مراجعة المساعدات التي يقدمونها لضمان أنهم لا يمولون الوحدات الضالعة في التستر على جرائم القتل الحساسة وغيرها من الانتهاكات الحقوقية”.

لقمان سليم

كان لقمان سليم (58 عاماً) ناشطاً، وكاتباً، وناشراً وباحثاً ذائع الصيت، وناقداً شرساً لميليشيا حزب الله. عُثر عليه مقتولا في سيارته بين بلدتَي العدوسية وتفاحتا في جنوب لبنان صباح 4 فبراير 2021. وكشف تشريح الجثة عن إصابته بست رصاصات، خمس برأسه وسادسة بظهره، وفقاً لعائلته.

وذكرت زوجته مونيكا بورغمان، أنه غادر منزلهما في حارة حريك، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 3 فبراير ظهراً تقريباً متوجها إلى منزل صديقه في بلدة نيحا جنوب لبنان. تحدثت معه في الساعة 4:30 عصراً، لكنه لم يرد على مكالمة منها بعد الساعة 8:30 مساء.

من جهتهم قال أصدقاء سليم لبورغمان إنه غادر منزلهم في الساعة 8:00 مساء. وعندما لم يصل المنزل بحلول الساعة 10:00 ليلاً، أخطرت بورغمان وشقيقة سليم أصدقاءهما، وكذلك قوى الأمن، التي قالت إنها لا تستطيع التحقيق حتى تمر 24 ساعة على اختفاء الشخص.

لقمان سليم

لقمان سليم

غير أن أحد أصدقاء سليم تمكن من تحديد موقع هاتفه من خلال تطبيق ويب، حيث وجده على مسافة 400 متر من المنزل الذي كان يزوره.

عدم حماية مسرح الجريمة

وأضافت بورغمان أن وسائل الإعلام بدأت في الساعات الأولى من يوم 4 فبراير ببث صور لسيارة سليم وجثته. وأظهرت مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية أن عدة أجهزة أمنية، بما في ذلك قوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية ومخابرات الجيش، وصلت إلى مكان الحادث.

بدوره قال موسى خوري، محامي عائلة سليم: “أظهرت الصور التي رأيناها عدم حماية مسرح الجريمة. عندما رفعوا الجثة والسيارة، لم يكن ما تبقى محمياً. وبمجرد رفع الجثة، تُرك مسرح الجريمة فارغاً، الأمر الذي قد أدى ربما إلى فقدان أدلة أو معلومات”.

إلى ذلك أظهرت الصور ومقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش حشوداً من الأشخاص والسيارات حول سيارة سليم، أغلبهم كانوا من المتفرجين والمارة على ما يبدو. ولم يتم تطويق المنطقة المحيطة بالسيارة، ولا إغلاق الشارع، ما سمح للسيارات الأخرى بالمرور. كما تُظهر مقاطع فيديو من مسرح الجريمة رجال مجهولين بملابس مدنية يدخنون السجائر حول مسرح الجريمة ويلمسون السيارة دون قفازات.

6 رصاصات

وفي أحد مقاطع الفيديو، يقود رجل بملابس مدنية سيارة سليم إلى الأمام قليلاً، دون ارتداء قفازات أيضاً، ويصعد آخر إلى السيارة. بعد ذلك بقليل، فتح رجل آخر بملابس مدنية الباب، دون قفازات، وحدّق في داخلها. اقترب منه ضابط في قوى الأمن الداخلي بالزي الرسمي وطلب منه على ما يبدو التوقف.

في البداية نُقل جثمان سليم إلى مستشفى في صيدا، حيث جرى أول فحص شرعي له، ثم إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث اختارت الأسرة طبيباً لإجراء فحص شرعي آخر.

وكشفت بورغمان أن سليم أصيب في البداية برصاصة في الظهر ثم بخمس رصاصات في الرأس. وفيما كشف الفحص عن وجود كدمات على ركبتيه وذراعيه، ما يشير إلى وجود شخصين قويين يمسكان به وركوعه أو سقوطه على ركبتيه، أشارت بورغمان إلى أنه لم تكن هناك علامات تعذيب.

تلقى تهديدات بانتظام

عاش سليم وعمل في مناطق تابعة لميليشيا حزب الله، رغم معارضته لها، وشارك مع شقيقته رشا في تأسيس “دار الجديد”، وهي دار نشر مستقلة. كما أسس أيضاً، مع بورغمان، مجموعة غير حكومية باسم “أُمم للتوثيق والأبحاث” بهدف البحث والتوعية حول الحرب الأهلية في لبنان لاستخلاص الدروس من أجل منع العنف والإفلات من العقاب في المستقبل. وفي إحدى مقابلاته الإعلامية الأخيرة، أشار سليم إلى أن حزب الله أحضر نيترات الأمونيوم التي تسببت في الانفجار القاتل في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 إلى لبنان لتستخدمه حكومة النظام السورية، وهو ما ينفيه حزب الله.

كما تلقى سليم وبورغمان تهديدات بانتظام. في أكتوبر 2018. وحذر مسؤولون أميركيون سليم من أنه في خطر وعرضوا عليه بطاقة “غرين كارد” (الإقامة في الولايات المتحدة) لكنه رفض، بحسب بورغمان. إلا أنها أكدت أن حادثة وقعت في ديسمبر 2019 “تجاوزت الحد”، حيث علّق أشخاص منشورات تحتوي على تهديدات على حائط ومداخل منزلهما، وتجمعوا في حديقتهما هاتفين بالتهديدات والشتائم. وفي 13 ديسمبر 2019، نشر سليم بياناً قال فيه إنه يحمّل حسن نصر الله، زعيم ميليشيا حزب الله، ونبيه بري، زعيم “حركة أمل” ورئيس مجلس النواب، مسؤولية تعرضه هو أو عائلته للأذى، مشدداً على أن سلامته وسلامة عائلته تقع على عاتق قوى الأمن والجيش اللبنانية.

“لم تنل الجدية التي تستحقها”

إلى ذلك أحيلت قضية سليم إلى المدعي العام في جنوب لبنان. وقال خوري إن القضية لم تنل في البداية الجدية التي تستحقها، مشيفاً أنه طيلة أسبوع بعد الاغتيال، كان ضباط منخفضو الرتبة نسبياً في مخفري صريفا وزفتا يحققون في القضية. وبعد أسبوع، أحيلت القضية إلى شعبة المعلومات، فقط بناء على طلب الأسرة.

وأجرت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي مقابلات مع أصدقاء سليم وأفراد أسرته. وصرح مصدر لـ”هيومن رايتس ووتش” أنه طُلب من شاهدين على الأقل ترك هاتفيهما في مكتب الاستقبال ثم طُلب منهما إعطاء كلمات المرور الخاصة بها كشرط لاستعادتهما.

كما أضاف المصدر أن عناصر قوى الأمن الداخلي أثناء استجوابهما أشاروا إلى رسائل ومواقع وبيانات أخرى. وبعد انتهاء الاستجواب، طُلب من الشاهدين التوقيع على وثيقة تفيد بأنهما يسمحان لقوى الأمن الداخلي بالوصول إلى بياناتهما الشخصية، رغم قيام قوى الأمن الداخلي بالفعل بذلك. ولفت إلى أنه عند إعادة الهاتفين كانت بعض البيانات مفقودة والهاتفان لا يعملان بشكل جيد.

إغلاق التحقيق.. ولا اعتقال

من جانبها أعلنت بورغمان أن شعبة المعلومات استجوبتها مرة واحدة، بعد عدة أسابيع من الجريمة وسألتها حول ما إذا كان أي شخص أراد قتل سليم بسبب خلاف شخصي وما إذا كان قد انتحر. وأضافت أنه لم يسألها أحد عن التهديدات التي تلقاها أو البيان الذي كتبه عام 2019، وحمّل فيه بري ونصرالله استباقياً مسؤولية حدوث أي شيء له، مردفة: “كان يجب أن يكون هذا موضع تساؤل. ما التهديدات التي تعرض لها لقمان، ولماذا كتب تلك الرسالة، وماذا حدث في يومها… كانت هذه الأسئلة لتكون منطقية، لكنهم لم يطرحوا أياً منها”.

تحقيق المدعي العام أُغلِق في منتصف مايو 2021، غير أنه لم يُوجَّه أي اتهام أو يُعتقل أحد بتهمة قتل سليم. وأعرب كل من محامي سليم وزوجته عن شكوكهما في قلة المشتبه بهم. ثم أحيلت القضية إلى قاضي التحقيق في بيروت.

جو بجاني

كان جو بجاني (36 عاماً) موظف اتصالات ومصوراً عسكريا هاوٍ. أُطلق عليه الرصاص بينما كان في سيارته ينتظر ابنتيه وشقيقته أمام منزله بقرية الكحالة في عاليه الساعة 7 صباح 21 ديسمبر 2020.

وأظهرت لقطات كاميرا المراقبة في منزل بجاني، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، يجلس على مقعد السائق ويغلق بابه. بعد ذلك ركض رجلان من سلالم قريبة إلى السيارة، أحدهما كان يرتدي قبعة وقناعاً طبياً فقط لإخفاء وجهه، فتح باب السيارة وأطلق النار على بجاني مستخدماً مسدساً بكاتم صوت على ما يبدو. وظهر الرجل الآخر، الذي كان يرتدي خوذة وحقيبة ويحمل ما يشبه صندوق أدوات، وهو ينحني داخل السيارة ويبدو أنه يأخذ هاتف بجاني، ثم ركضا في طريق ترابي شديد الانحدار وهربا على متن دراجة نارية باتجاه بلدة بسوس.

من جهته قال مصدر، وأكدت ذلك لقطات مصورة، إن الشجيرات والمساحات الخضراء على ذلك الطريق الترابي شديد الانحدار أحرِقت مرتين قبل قتل بجاني في سبتمبر ونوفمبر، ما سهّل مراقبة المنزل وسمح للمهاجمين بسلوكه هاربين بسهولة أكبر.

جو بجاني

جو بجاني

“مستوى عالٍ من الحِرَفية”

من جانبه أفاد يوسف لحود، محامي عائلة بجاني، بأن قتل بجاني “يشير إلى مستوى عالٍ من الحِرَفية، كما يشير إلى أن الجريمة ارتكبت من قبل مجموعة أو كيان منظم”.

بدوره، لفت جان بجاني، رئيس بلدية الكحالة، إلى أن هذه الجريمة “مخطط لها بشكل جيد جداً”.

وقال مصدر في مسرح الجريمة إن الصليب الأحمر اللبناني نقل جثمان بجاني إلى المستشفى بين الساعة 7:30 و7:45 صباحاً، لكن لم تصل القوات الأمنية إلى مسرح الجريمة حتى الساعة 9:30 تقريباً حين تجادل أعضاء مختلف الأجهزة فيما بينهم. وأضاف المصدر أن القوى الأمنية لم تغلق مسرح الجريمة، وأن الإعلاميين والمارة كانوا يصوّرون سيارة بجاني ويلمسونها ويفتحون بابها للنظر في داخلها، كاشفاً أن قوى الأمن طوقت مسرح الجريمة فقط في وقت لاحق من ذلك المساء.

لا قفازات

إلى ذلك تؤكد اللقطات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش على ما يبدو صحة الرواية. ففي أحد مقاطع الفيديو الملتقطة في ذلك اليوم، فتح ضابط يرتدي زي قوى الأمن الداخلي الباب الأمامي للسيارة وفتح رجل في ثياب مدنية بجانبه الباب الخلفي، وكلاهما بدون قفازات.

وذكر المصدر أن شعبة المعلومات فتشت المنزل بدقة “ونكشوا الدنيا كلها، كأن جو هو المجرم وليس الضحية”، مؤكداً أن قوى الأمن الداخلي أخذت جميع الأجهزة الإلكترونية من المنزل، بما في ذلك الحواسب المحمولة والكاميرات والأقراص الصلبة، حتى تلك العائدة لزوجته. كما أخذوا أيضاً جميع كاميرات المراقبة في جميع أنحاء البلدة التي ربما تكون قد التقطت تحركات المهاجمين.

كذلك أكد المصدر أن الأسرة لم تتمكن من مشاهدة أي من اللقطات، بما في ذلك من كاميراتهم الأمنية الخاصة، وأن البيانات كانت ممحية من جميع الكاميرات عندما أُعيدت إليهم، مشيراً إلى أن قوى الأمن الداخلي محت أيضاً جميع البيانات من الأجهزة الإلكترونية العائدة لزوجة بجاني.

“3 نظريات”

وأوضح أن شعبة المعلومات عثرت على هاتف بجاني في حوالي الساعة 11 ظهراً على الطريق المنحدر الذي يفترض أن القتلة هربوا عبره. وقالت نايلة، زوجة بجاني، لوسائل الإعلام إنه بينما كان هاتف زوجها مع قوات الأمن يوم الجريمة، بدا أن حسابه على واتساب “متصل” ويشاهد أوضاع جهات اتصاله بنشاط. رغم ذلك، لفتت إلى أن المحققين طلبوا منها فتح هاتف زوجها ببصمة إصبعها حوالي الساعة 11 مساء من تلك الليلة.

قوى الأمن الداخلي أجرت مقابلة معها لأول مرة في المستشفى حيث نُقلت جثة زوجها صباح يوم الجريمة. وأفادت لوسائل الإعلام بأن الضابط أخبرها أن ثمة 3 نظريات لا غير لمثل هذه الجرائم: “القمار أو المخدرات أو النساء”. وعندما اتصلت بالجهاز لتقديم شكوى بشأن الضابط، قال لها من تلقى اتصالها “ما تواخذينا”.

وبعد يومين من الجريمة استدعتها شعبة المعلومات. وقال المصدر إن الضباط قدموا أنفسهم للأسرة بأسماء مستعارة مثل “جاد ضو”، كاشفاً أن الأسئلة المطروحة كانت “سطحية” للغاية وتمحورت بشكل شبه حصري حول ما إذا كانت ثمة دوافع شخصية للجريمة، بما في ذلك ما إذا كان لديه مشاكل زوجية.

لا اتهام

أُغلِق تحقيق النيابة العامة بعد ستة أشهر من مقتل بجاني دون توجيه أي تهم وأحيل إلى قاضي التحقيق.

وصرح مصدر قرأ ملف التحقيق أنه “لا يوجد دليل على إجراء تحقيق شامل”. ويبدو أن اختبارات الحمض النووي على السيارة وهاتف بجاني والبيانات من الإلكترونيات والكاميرات كلها لم تفضِ إلى أي نتيجة. وتابع أنه في أواخر 2021، اتصل ضابط من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي بزوجة بجاني وطلب منها الأجهزة الإلكترونية الخاصة بزوجها، فردت عليه بالقول إنها بحوزة شعبة المعلومات.

إلى ذلك أكد جان بجاني، رئيس بلدية الكحالة: “نشعر بأسف شديد لأنه لا جديد على الإطلاق حتى اليوم. تحدثوا عن توسيع التحقيق. لا أعرف إذا كان سيؤدي إلى أي نتيجة، بالنظر إلى أنه رغم ظهور المجرمين المسلحين على الكاميرا، لم يؤدِّ ذلك إلى التعرف عليهم. لا أعرف، يبدو الأمر كما لو أن هذه الجريمة يجب أن تبقى غامضة”.

“لا يمكننا حمايتك”

بدوره بين مصدر مقرب من الأسرة أن زوجة بجاني التقت بوزير في مارس 2021، حيث زُعم أنه قال لها “أنصحك بعدم الحديث إلى وسائل الإعلام. لماذا يجب أن تفقد بناتك والدتهن؟ لا يمكننا حمايتك، نحن نعيش في مزرعة” – وهو تعبير لبناني يشير إلى العيش في مكان ينعدم فيه القانون.

الدوافع المحتملة لقتل بجاني لا تزال غير واضحة. وأفاد مصدر مقرب من عائلة بجاني بأن عمله في شركة الاتصالات كان في مجال الدعم التجاري، ولم يكن بإمكانه الوصول إلى بيانات اتصالات حساسة. غير أن بجاني كان يصف نفسه أيضاً بأنه مصوّر عسكري هاوٍ، وكان أحياناً يعمل لحسابه الخاص للجيش اللبناني. ورغم ادعاء بعض وسائل الإعلام أن بجاني كان من أوائل المصورين الذين وصلوا إلى مرفأ بيروت بعد الانفجار في 4 أغسطس 2020، نفت عائلته هذه التقارير بمصداقية.

كما تضمنت محفظة أعمال بجاني صوراً لطائرات عسكرية ودبابات وجنود. وقال مصدر مقرب من عائلته إنه التقط صوراً عام 2017 خلال حفل في مرفأ بيروت قدمت فيه السفارة الأميركية معدات عسكرية للجيش اللبناني. وظهر في الصور “العنبر 12″، حيث كانت تُخزَّن نيترات الأمونيوم التي انفجرت في 4 أغسطس 2020. وتعتقد عائلة بجاني أن مقتله على الأرجح مرتبط بالعمل الذي قام به كمصور عسكري وبالصور التي التقطها لمرفأ بيروت.

منير بو رجيلي

كان العقيد منير بو رجيلي (53 عاماً) ضابطاً متقاعداً في مكافحة التهريب في الجمارك. عُثر عليه ميتاً في منزله في قرطبا صباح 2 ديسمبر 2020، جراء إصابته بضربات على رأسه بحسب تقارير إعلامية ومصدر مقرب من الأسرة الذي قال إن بو رجيلي توجه في الليلة السابقة إلى قرية قرطبا لتفقد منزله الذي كان لا يزال قيد الإنشاء. وأضاف أنه عندما لم تتمكن زوجته من التواصل معه في الصباح، توجهت بالسيارة إلى المنزل لتجد جثته في الفراش.

اتصلتْ على الفور بالصليب الأحمر والأجهزة الأمنية. وفي غضون نصف ساعة، وصل عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى مكان الحادث. وكشف المصدر أن شعبة المعلومات هي من أجرى التحقيق في الجريمة وأخذ بصمات الأصابع وعينات من الحمض النووي لأفراد الأسرة، مؤكداً أنه تم التحفظ على مسرح الجريمة، وظل المنزل مغلقاً لمدة 4 إلى 5 أشهر بعد الجريمة.

منير بو رجيلي

منير بو رجيلي

لا مشتبه بهم

إلى ذلك ذكر مصدر مقرب من الأسرة أنه مع ذلك، لم يؤدِ تحقيق النيابة العامة إلى تحديد أي مشتبه بهم أو توجيه تهم إليهم، وأحيل الملف إلى قاضي تحقيق.

وأشار فارس سعيد، العضو السابق في البرلمان من قرطبا، إلى أنه “كان بإمكان الدولة، لو أرادت معرفة ما حدث له، فعل ذلك في غضون يومين أو ثلاثة. ثمة كاميرات أمنية في البلدة، وتوجد شرطة البلدية وسَرِية من قوى الأمن الداخلي. إذا لم تُعلن من هو القاتل، فهذا يعني أنها تريد إخفاءه”.

إذاً لا تزال الدوافع وراء مقتل بو رجيلي غامضة، حيث سرق القتلة جهاز تلفزيون من المنزل. إلا أن مصدراً مقرباً من العائلة ومصدراً أمنياً شككا في أن السرقة كانت الدافع الأساسي، فالمنزل كان منزلاً قروياً بسيطاً وأساسياً فيه القليل لسرقته.

وبحسب سيرته الذاتية التي قدمها محاميه لرويترز، قاد بو رجيلي، بصفته ضابط جمارك، فرقة لمكافحة التهريب البري، وعمل في المطار، وترأس قسما في المجلس الأعلى للجمارك.

كما كان صديقاً للعقيد جوزيف سكاف، أول ضابط جمارك حذّر في فبراير 2014 من نيترات الأمونيوم الخطرة والمتفجرة التي وصلت إلى مرفأ بيروت وأدت لاحقاً إلى الانفجار. وتوفي سكاف في مارس 2017 في ظروف مريبة، ما دفع البعض للاعتقاد بأنه اغتيل. ورغم أن التقرير الطبي الرسمي وجد أن سكاف توفي في حادث سقوط عرضي، خلُص تقرير ثان، بتكليف من عائلته، إلى أنه تعرض لاعتداء.

أنطوان داغر

شغل أنطوان داغر (62 عاماً) منصب مدير قسم الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال في مجموعة بنك بيبلوس، وقبلها مدير وحدة الامتثال في ذات البنك. غادر منزله حوالي الساعة 6:45 صباح 4 يونيو 2020. حوالي الساعة 9:30 صباحاً.

وبعد تلقيها مكالمة من مكتب داغر أعلمتها بأنه لم يأت إلى مكتبه، وجدت زوجته جثته قرب سيارته في المرآب، غير بعيد عن المنزل، حيث كانت سيارته واقفة. وكان داغر قد طُعن 5 مرات، منها 4 في بطنه وواحدة في الجانب الأيمن لرقبته، بحسب تقرير قوى الأمن الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش.

بصمات واستجواب

وصلت قوى الأمن الداخلي إلى مكان الحادثة بعد اتصال من عائلة داغر. وعند الساعة 12:10 ظهراً، اتصلت قوى الأمن بالمدعية العامة التمييزية بجبل لبنان لإعلامها بالجريمة، فأمرت بفتح تحقيق. وبحسب محضر قوى الأمن الداخلي، أُجري فحص شرعي للجثة، ووجد فريق تقني علامات دم على الباب الخلفي الأيسر والمقعد الأمامي الأيسر لسيارته. أخذوا بصمات من باب السيارة ومن الجثة، وعينات بمسحات قطنية من تحت أصابعه ومن السيارة ومن المفاتيح وبقع الدم. ولم يجدوا أي علامات على أنه تم العبث بمحتويات السيارة.

كما استجوبت قوى الأمن الداخلي زوجة داغر وجاره الذي رآه يدخل المرآب ذلك الصباح. وذكروا أيضاً أنهم وجدوا جهازي كاميرا في المبنى المقابل للمبنى الذي حصلت فيه الجريمة، وأن شعبة المعلومات أخذت تسجيلاتهما. ووفق المحضر، لم تكن هناك أي كاميرات أخرى في المنطقة أو في المرآب. وفي الساعة 5:30 مساءً، أعلم ضباط قوى الأمن الداخلي المدعية العامة بالنتائج التي توصلوا لها، فأمرتهم بإحالتها على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وقالت عائلة داغر: “كان ذلك جيداً، لأنه أكد أنهم يتعاملون مع الأمر بجدية”.

وبحسب محضر قوى الأمن الداخلي، فإن شعبة المعلومات قابلت عدة أفراد من عائلة داغر، وكذلك جيرانه وبعض زملائه في البنك. وأثناء استجوابها، أفادت شقيقة داغر المحققين بأنه قال لها قبل شهر من اغتياله إنه يعمل على قضية احتيال كبرى. فسأل المحققون مدير القسم القانوني في بنك بيبلوس عن قضية الاحتيال هذه، لكنه نفى وجودها.

أنطوان داغر

أنطوان داغر

لا دوافع أو مشتبه بهم

كذلك أجرت شعبة المعلومات أيضاً تحليلاً تقنياً للأجهزة الإلكترونية لداغر وأجهزة البوابين الذين عملوا في مبناه. ولم يذكر التقرير ما وجدته في الأجهزة، وخلُص إلى أنها لم تجد شيئاً مثيراً للريبة. كما لم يحدّد التقرير أيضاً ما إذا تم تحليل بيانات الاتصال بالهاتف الخلوي لداغر، غير أنه أشار إلى أن شعبة المعلومات راجعت بيانات الاتصال الخاصة بالهاتف الأرضي لمكتب داغر، لكنها لم تجد شيئاً مريباً. أرجع المحققون بعض الأجهزة الإلكترونية إلى ابنة داغر يوم 12 يونيو، وبقية الأجهزة إلى محامي العائلة يوم 14 أغسطس.

وفي 19 أغسطس، ذكر محضر قوى الأمن الداخلي أن المدعية العامة كانت راضية عن التحقيق، رغم أنه لم يحدد أي دوافع أو مشتبه بهم.

مخاوف بشأن التحقيق

من جهتها قالت عائلة داغر إن لديها عدة مخاوف بشأن التحقيق. وبعد وقت قصير من وصول قوى الأمن إلى مكان الجريمة، ظهرت صور جثة داغر في وسائل الإعلام. كشف أحد أولاده: “من فعل ذلك هم قوى الأمن أو الأشخاص الذين قتلوه. لم يدخل أي شخص آخر إلى هناك”. وعلم العديد من أفراد أسرته باغتياله من وسائل الإعلام.

وأضافت العائلة أن المحققين لم يستجوبوا العديد من الموظفين الكبار في البنك. وقال أحد أولاده لـ”هيومن رايتس ووتش”: “طلبوا فقط مدير القسم القانوني في البنك، الذي يتمثل عمله في حماية الشركة، ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الضغط عليه. لم يحاولوا التحدث مع رئيسه، أو الأشخاص الذين كانوا يعملون معه”.

كما أوضح أولاده أنهم قلقون من أن المحققين لم يحاولوا معرفة المزيد عن قضية الاحتيال التي ذكرتها شقيقته، وقبلوا ادعاء البنك بعدم وجود هكذا قضية.

العائلة تشكك

وبدا محضر قوى الأمن الذي راجعته هيومن رايتس ووتش متوافقاً مع هذه الرواية. وقال الأولاد أيضاً إن المعلومات التي يُحتمل أن تكون ذات صلة ومهمة التي قدموها إلى المحققين بشأن عمل والدهم لم يتم تضمينها في المحضر.

إلى ذلك لفتت قوى الأمن الداخلي إلى أنه لم تكن هناك كاميرات في الجوار باستثناء كاميرات المبنى المقابل للمرآب الذي قُتل فيه داغر، إلا أن عائلته شككت في ذلك. إذ أن منزل داغر يقع في الحازمية، وهي منطقة فيها إجراءات أمنية مشددة بسبب وجود عدة نقاط عسكرية، فضلاً عن قربها من القصر الجمهوري. وقالت العائلة إنه عندما اعترضت على رواية قوى الأمن الداخلي، جاءتهم ردود مختلفة من عدة ضباط.

وصرح أحد أولاده: “في البداية قالوا إن الكاميرات لم تكن تعمل، ثم قالوا إنها كانت موجهة في الاتجاه الآخر. كل واحد أعطى رواية مختلفة، ثم قالوا إن الكاميرات كانت موجودة، لكنها لم تساعدهم في التوصل إلى أي شيء”.

كما أضاف الأولاد أن البلدية أعلمتهم إن محتوى الكاميرات لم يعُد في حوزتها. وقالوا أيضاً إنهم لم يستعيدوا ساعة “آبل” الخاصة بوالدهم، التي كان يرتديها يوم اغتياله.

لا تقدم في القضية

ومثلما هو الحال في قضية بجاني، قدّم عناصر شعبة المعلومات أنفسهم إلى عائلة داغر بأسماء مستعارة على ما يبدو. وقال أولاد داغر إن الاسم الذي أعطي لهم لأحد العناصر كان “جاد ضو”، وعندما اتصلوا بقوى الأمن الداخلي للتحدث إلى جاد ضو، أعلموهم أنهم “جميعاً جاد ضو”.

كذلك قالت العائلة إنا زارت رئيس الجمهورية في يوليو 2020 بسبب عدم إحراز تقدم في القضية، لافتة إلى أن الرئيس أخبرهم أن والدهم كان يعرف الكثير على ما يبدو.

وبحسب هيومن رايتس ووتش، ليس هناك في محضر قوى الأمن ولا لدى عائلة داغر أجوبة واضحة بشأن الدافع وراء قتل داغر. لكن عائلته قالت إنه على الأرجح مرتبط بعمله. ورغم أن منصبه الأخير في قسم الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال في بنك بيبلوس لم يكن حساساً، إلا أن عائلته ذكرت أنه ترأس في السابق وحدة الامتثال في البنك لعقد من الزمن.

ولا تعلم العائلة لماذا عُزل داغر من منصبه كمسؤول عن الامتثال في 2013. وقال أحد أولاده إنهم كانوا يسألونه عن السبب فكان كثيراً ما يجيب: “سوف تعلمون في وقت ما” وإن “ذلك لم يكن قرار البنك، بل كان قرارا أكبر من البنك”. وكشفت العائلة أيضاً أن داغر لم يكن المسؤول رسمياً عن الامتثال بعد 2013، لكن الرسائل الإلكترونية والمحادثات التي شاهدوها على هاتفه توحي بأنه كان لا يزال يؤدي تلك الوظيفة.

القطاع المصرفي في أزمة

كما يضمن مسؤولو الامتثال التزام المصارف بالقواعد المحلية والدولية المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وصرح مسؤول سابق في القطاع لـ”فاينانشل تايمز”: “في لبنان، يُعد الامتثال عملاً محفوفاً بالمخاطر، إذا قمت به بشكل صحيح… هناك حزب الله، وهناك سياسيون وعائلاتهم، وهناك إدارة مصارف فاسدة”.

يشار إلى أن القطاع المصرفي اللبناني واجه أزمة بعد أن اعتمدت الولايات المتحدة قانوناً في 2015 استهدف تمويل حزب الله، وهدّد بمنع أي مصرف يتعامل مع حزب الله من دخول سوق المال الأميركية. وفي يونيو 2016، استهدف هجوم بقنبلة بنك لبنان والمهجر المعروف في لبنان، بعد غلق حسابات اعتُبرت مرتبطة بميليشيا حزب الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى