اخبار اليمن

تحقيق | مراكز الحوثي الصيفية.. تعليم وترفيه أم فخ؟

اخباري نت . المدونة اليمنية:

عقب انتهاء طلاب الثانوية العامة من أداء امتحاناتهم هذا العام، بدأت جماعة الحوثي حملة تحشيد غير مسبوقة عبر زعيمها ومشرفيها، بمن فيهم الأمنيين والعسكريين، وعبر خطباء المساجد، وعقال الحارات، والتربويين، ووسائل الاعلام التابعة لها في جميع المحافظات التي ماتزال تحت سيطرتها.

وفي الحملة دعت الجماعة الحوثية أولياء أمور الطلاب، خاصة الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ10 والـ15، لإلحاقهم بالمراكز الصيفية التي رُصدت لها ميزانية ضخمة تصل إلى نصف مليار ريال كدفعة أولية لتجهيزها. فلماذا تولي الجماعة الحوثية كل هذا الاهتمام بتلك المراكز؟ وما الذي يحدث فيها؟ وما هي النتائج المتوقعة منها في حال نجاح أهداف القائمين عليها؟

تذمر وتّخوف

في حي “السنينة” غرب العاصمة “صنعاء”، اعتاد “عبدالله السميري”، طوال السنوات الماضية، على تسجيل أبنائه في مركز صيفي بإحدى المدارس الأهلية القريبة من سكنهم، لكنه فوجئ هذا العام بأن الحوثيين منعوا إقامته، فاتجه إلى مسجد “الفتح” القريب منهم، والذي كانت تقام فيه حلقات تعليم القرآن الكريم، ودروس التجويد، فوجد تلك الحلقات أيضاً قد أُغلقت، ومُنع المدرسون من مزاولة مهامهم، بحُجة أن “اللجنة العليا لإدارة المراكز الصيفية” التابعة للحوثيين، لم تمنح تراخيص لحلقات تعليم القرآن الكريم في المساجد، ولا في المدارس الأهلية، ولا في النوادي الشبابية.
يقول عبدالله لـ”المدونة اليمنية”: «لم نعد نعرف أين سيقضي أبناؤنا إجازتهم الصيفية، لقد أغلقت في وجوههم كل الأبواب، عدا أبواب المراكز الصيفية المقامة داخل المدارس الحكومية، والتي يديرها مشرفو جماعة الحوثي».
ويضيف السميري: «نخشى أن يتم استغلال أبنائنا في أنشطة ومهام لا تتناسب مع سنهم، وقدراتهم. لقد قررت أن أسافر بهم إلى القرية، لكي أجنبهم المخاوف التي لا تتبدد في ذهني».
أما “محمد العيني”، القاطن في حي “حدة” بـ”صنعاء”، فيؤكد أن الرؤية لم تتضح بعد لديه، حول المهام التي تنفذها المراكز الصيفية التابعة لجماعة الحوثي. ويقول العيني لـ”المدونة اليمنية”: «منذ شهر، وعقب كل صلاة جمعة، تُعقد أمام المسجد الذي نصلي فيه، وقفات احتجاجية، يحث فيها منظموها على ضرورة إلحاق أولياء الأمور أبناءهم بالدورات الصيفية. لا أدري لماذا هذا الاهتمام الغريب. أنا شخصياً لن أدفع بابني الصغير للذهاب إلى تلك المراكز، لأني أشك في أمرها».

ما الذي يحدث داخل المركز؟

في أغسطس الماضي، أصدر ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” قرار تعيين عضو مجلس الشورى الحوثي، القيادي المقرب من زعيم الحوثيين، “خالد المداني”، رئيساً لـ”اللجنة الإشرافية العليا للمراكز الصيفية”، وعضوية شقيق زعيم الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي، وعدد من المقربين منهم في وزارتي “الأوقاف والشباب والرياضة”، وتم إقرار مقررات ومناهج محددة.
لم تكن تلك القرارات مجرد قرارات عابرة، فالمناسبة عند الحوثيين ذات أهمية بالغة، وفرصة لا تُعوض، عقب ذللك جهز الحوثيون أكثر من 3.672 مركزاً صيفياً للبنين والبنات، ولجاناً فرعية على مستوى المديريات والعزل والحارات في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
«في يونيو المنصرم، كان الحوثيون يدربون لجاناً مجتمعية تضم خطباء مساجد ودعاة، وتربويين، وعسكريين، حول كيفية التعامل مع الأشبال والنشء، وتقديم المعلومة المقنعة، وتهيئتهم نفسياً ودينياً من خلال تقديم محاضرات توعوية بأهمية وموالاة السيد عبدالملك الحوثي وآل البيت، وتعليم الأدعية والمأثورات الخاصة بـ”أنصار الله”، وكذلك التهيئة العسكرية من خلال التدريبات الرياضية المناسبة للنشء والأشبال، وكيفية اتباع وسائل التصدي للعدوان السعودي الإماراتي (في إشارة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن)، وتعليم من يرغب من النشء مهام تقنية في الحواسيب، وإقامة حملات ضغط إلكترونية ضد العدوان، وتسجيل من يرغب من الطلاب في جبهات القتال». كشف عن ذلك مصدر مقرب للحوثيين في حديثه لـ”المدونة اليمنية”، وأضاف قائلاً: «في حال نجحت الخطة، نتوقع أن يتم رفد الجبهات بآلاف المقاتلين، وإن لم يكن العدد كثيراً، لن تخسر حركة “أنصار الله” شيئاً، لأنها أوصلت رسالتها، وغرست في عقول وقلوب النشء والأشبال حب الحركة».
وكان زعيم الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي، ظهر في خطاب متلفز، مطلع يوليو الجاري، داعياً طلاب المدارس إلى المشاركة الفاعلة في الدورات الصيفية.
وقال الحوثي، موجهاً خطابه للمشاركين في المراكز الصيفية: «نأمل أن تسهم الدورات الصيفية في تنوير هذا الجيل من مختلف الفئات، وأن يكون المعلمون في هذه الدورات قدوة صالحة للطلاب في اهتمامهم وأخلاقهم وسلوكياتهم». مجدداً التأكيد على «ضرورة الاهتمام بالدورات الصيفية على مستوى الحضور والدعم العلمي والمادي».. حاثاً الأهالي على «الدفع بأبنائهم للمشاركة في الدورات الصيفية».
يقول عضو اللجنة الإشرافية للمراكز الصيفية بالعاصمة صنعاء، القيادي الحوثي “زياد الرفيق”، إنه «تم توزيع الطلاب والطالبات على 4 مراحل: المستوى التمهيدي، والمستوى الأول، والمستوى الثاني من الصف الرابع حتى التاسع، والمستويين الثالث والرابع للمرحلة الثانوية».
حينما تم تدشين المراكز الصيفية بالفعل، وجد معد التقرير طلاباً في أحد المراكز الصيفية، يرددون الصرخة الحوثية، بينما يتلقى طلاب آخرون تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عاماً، تدريبات مغلقة داخل أحد الفصول، لم يُعرف عنها شيء، وعقب خروج الطلاب من الفصل، يقوم أحد المشرفين الحوثيين بتوزيع مبلغ 500 ريال، أخبره الطلاب أنها هدية من “السيد”، تحت مسمى “حق الصبوح”، وفي مركز صيفي آخر، يُجبر الطلاب على الاستماع لخطابات زعيم الحوثيين، ومشاهدة فيديوهات تحريضية ضد المناوئين للجماعة الحوثية، الذين يتم نعتهم بـ”الدواعش”.
ولم يسلم جامع “الصالح” في “صنعاء” من إشراكه في خطة الحوثيين خلال فترة الإجازة الصيفية التي تستهدف الطلاب تحت مسمى “المراكز الصيفية”، يقول القيادي الحوثي “عبدالله الكبسي”، في تصريحات صحفية، إنه «لأول مرة يقام المركز الصيفي الداخلي بجامع الشعب (في إشارة لجامع الصالح) الذي يعد المركز النموذجي الأول الذي يستوعب 320 طالباً في 20 حلقة».
وأشار “الكبسي” إلى «ما يمتلكه المركز بالجامع من تجهيزات وقاعات وسكن داخلي للطلاب بإشراف وزارة الأوقاف والإرشاد، فضلاً عن استيعابه عدداً من الأكاديميين والعلماء والمشائخ».
ويرى المصدر المقرب من القيادات الحوثية، في حديثه لـ”المدونة اليمنية”، أن «فترة الـ40 يوماً التي حددتها اللجنة الإشرافية العليا لأنشطة المراكز الصيفية، ليست كافية، خاصة مع ضعف الإقبال على تلك المراكز والمخيمات من قبل أولياء الأمور»، لكن هذه المراكز -بحسب المصدر- «تحقق قدراً كبيراً من الأهداف التي وضعت لها».

تحذيرات

وكان العميد “طارق محمد صالح”، قائد “المقاومة الوطنية”، حذر الآباء والأمهات في مناطق سيطرة الحوثيين، من الزج بأبنائهم في المراكز الصيفية التي أعلن عنها الحوثيون.
وقال “صالح”، في تغريدة كتبها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: «أكرر مناشدة الآباء والأمهات الحفاظ على أبنائهم فلذات أكبادهم، فهم أمانة في أعناقهم».
وأضاف، مخاطباً الآباء والأمهات: «المكان الطبيعي لأطفالكم هو منازلهم ومدارسهم والمعاهد والأندية والمراكز الثقافية، وليس دكاكين الموت الحوثي التي لا تكترث بحياتهم ومستقبلهم، ولن تعيدهم إليكم إلا أشلاء، خدمة لمشاريع أسيادهم في طهران».
من جانبه، دعا وكيل وزارة الإعلام في الحكومة “الشرعية”، “عبدالباسط القاعدي”، أولياء الأمور في مناطق سيطرة الحوثيين، للاهتمام بأبنائهم ومتابعتهم، وتجنيبهم أوكار ومصائد الحوثيين التي تسميها مراكز “صيفية”.
وأوضح الوكيل القاعدي، في تغريدات له على “تويتر”، أن «مليشيا الحوثي الانقلابية تعتبر المدارس استحماراً، كما أن المراكز الصيفية فقاسات لتفريخ المقاتلين، وتخريج أحزمة ناسفة وقنابل موقوتة». مؤكداً أن «مليشيا الحوثي تسعى من خلال حشد الأطفال للمراكز الصيفية، لتزج بهم في الجبهات»، متسائلاً : «كأن الحوثي اكتشف المراكز الصيفية للتو؟».
وأضاف: “يخطب الحوثي عن أهمية المراكز الصيفية، فيما المدارس معطلة منذ انقلابه المشؤوم”، مؤكداً أن «الحوثيين يسعون بكل طاقاتهم لتحشيد الأطفال، وأن الحوثيين منشغلون بنقل الطلاب من المراكز والمدارس إلى المتاريس، ومن يديرون هذه المراكز هم مجموعة قتلة ومجرمين وقليلي دين، وبالتالي فالمخرجات ستكون على ذات الشاكلة».
وفي حديثه لـ”المدونة اليمنية”، يرى التربوي والإعلامي اليمني “طه بافضل”، أنه من «خلال اطلاعه على المناهج التعليمية التي تُدرسها جماعة الحوثي لطلاب المراكز الصيفية، فإنه اتضح أن أهداف تلك المواد، العبث بمستقبل الأجيال، وحثهم على الطائفية، وتخريج مقاتلين جاهزين للتضحية من أجل الأهداف والمرامي الطائفية».
ويقول بافضل: «الجماعة الحوثية، هي جماعة دينية لديها اعتقاد زرعته في قلوب وعقول أتباعها، لديها انتماء بثته في قياداتها ورجالها ونسائها، جماعة لديها أهدافها بصبغتها الدينية، ولن تصل إلى هذه الأهداف إلا بالتعبئة المتواصلة للأتباع وللصغار والكبار.. وهذه المراكز الصيفية وسيلة من وسائل شتى لتحقيق أهدافها. أما الشرعية فممزقة ومختطفة ومتعددة المشارب، يهم قياداتها الأمان والراحة والابتعاد عن كل ما ينغص ويكدر عليها عيشها الهنيء، فلا اهتمام لها بتعبئة ولا تحريض ولا تجييش، بل تتكايد مع من يقاتل معها من المقاومة، وتنشغل بالردود والهجوم على مخالفيها».

انتهاكات

ومنذ انقلاب جماعة الحوثي على الدولة اليمنية، في 2014، تعرضت المراكز الصيفية بالعاصمة “صنعاء” ومدن يمنية أخرى، لجملة من الاعتداءات والانتهاكات وعمليات النهب والسلب والإغلاق.
وأكد تقرير صادر عن مركز “العاصمة الإعلامي”، حصلت “المدونة اليمنية” على نسخة منه، أن «إجمالي الانتهاكات بحق المراكز الصيفية بمديريات أمانة العاصمة فقط، بلغ منذ انقلاب الحوثي وحتى أغسطس 2017، أكثر من 366 انتهاكاً».
وبحسب التقرير، فقد تعددت الانتهاكات لتشمل 5 عناصر هي: «التهديد، والاقتحام والنهب، والاحتلال، والإغلاق، واستحداث مراكز حوثية جديدة».
وفي الوقت الذي يكشف فيه التقرير عن تعمد استهداف جماعة الحوثي عبر مراكزها الصيفية للطلاب بالمراحل الأولى (في سن 6-17 عاماً)، مستغلة سلطة السلاح والمال وإغراء الأطفال، أكدت معلومات رسمية حديثة أن عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم (بين 5 و17 عاماً) يبلغ 7.7 مليون طفل، ويمثلون 34% من إجمالي عدد السكان.
وتناول التقرير 10 مديريات بالعاصمة صنعاء، وقال بأن «مديرية معين نالت الجزء الأكبر من الانتهاكات بحق المراكز الصيفية، وتلتها مديرية السبعين». وكشف المركز عن «إغلاق جماعة الحوثي لـ118 مركزاً صيفياً بأمانة العاصمة، منها 32 مركزاً بمديرية معين، و26 بمديرية السبعين، و12 بمديرية التحرير، و11 بمديرية أزال، و9 مراكز بمديرية الثورة، و8 مراكز بمديرية الصافية»، كما اقتحمت ونهبت الجماعة الحوثية -بحسب التقرير- 89 مركزاً، وعبثت بمحتوياتها، وأخرى تم السطو عليها، وقامت بمصادرتها، منها 15 مركزاً بمديرية السبعين، و13 بمعين، و12 بمديرية الثورة.
ورصد التقرير «استحداث الحوثيين مراكز صيفية، واستبدلت مراكز أخرى جرى اقتحامها بوقت سابق بمراكز طائفية تابعة لها، حيث بلغت 69 مركزاً، منها 10 مراكز مستحدثة بمديرية صنعاء القديمة، و9 مراكز لكل من مديريتي الوحدة ومعين، بينما استحدثت 8 مراكز بكل من مديرية الصافية والتحرير».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى