اخبار اليمنتقارير

انعكاس الاتفاق السعودي الإيراني على ملف اليمن – تحليل

أثار الاتفاق السعودي الإيراني التاريخي برعاية صينية، الأسبوع الماضي، كثيراً من التكهنات حول انعكاسات هذا الاتفاق على الحرب في اليمن، ومدى التأثير المتوقع على أطراف الصراع ضمن ملفات عدة في المنطقة.

طالما تسبب الخلاف بين إيران والسعودية منذ عشرات السنين في اشتعال عدد من الملفات في المنطقة وتوتير الأجواء السياسية والأمنية داخل الدول، كما أن هذا التوتر استنزف جزءاً كبيراً من قدرات الدولتين سواءً المادية أو السياسية.

من هنا تنبع أهمية الاتفاق بين الدولتين خاصة في ظل الأوضاع المشتعلة التي يشهدها لبنان والعراق وسوريا واليمن، ناهيك عن الاحتجاجات المتصاعدة في الداخل اللبناني، والحرب اليمنية، وما تمثله من مخاطر على التوجه السعودي نحو رؤية 2030م.

وطالما سعت السعودية إلى إنجاز اتفاق ثنائي مع الحوثيين بوساطة عمانية، غير أنه ظل يراوح مكانه رغم اقترابه غير مرة من نقطة النهاية ونشر وسائل إعلام تسريبات عن وصول التفاهمات بين السعودية والحوثيين في مسقط إلى نقطة النهاية.

ورغم حصول الحوثيين على مزايا وتنازلات من هذه المفاوضات وفي مقدمتها فتح المجال أمام تدفق سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وهو الذي مكن الحوثيين من جني مليارات الريالات من عائداتها، وعودة الرحلات التجارية إلى مطار صنعاء بشكل مباشر إلى وجهة واحدة على الأقل دون أن يقدم الحوثيون أي تنازلات، إلا أن هذه المساعي فشلت في الوصول إلى اتفاق بدون سبب وجيه سوى الدور الإيراني الذي حال دون التوصل إلى اتفاقات، وارتهان الحوثيين لدورهم المرسوم كأداة إيرانية خالصة ورغبة طهران أن يكون أي اتفاق حوثي سعودي خطوة تلي الاتفاق بين السعودية وإيران.

وصول المفاوضات مع الحوثيين إلى طريق مسدود جعل السعودية تدرك أن مفاتيح التفاهم مع جماعة الحوثي في حقيبة المفاوض الإيراني، وبناءً على رغبة السعودية في إغلاق الملف اليمني ضمن توجهاتها لإطفاء حرائق المنطقة وإغلاق الملفات القديمة والتوجه نحو المستقبل ضمن رؤية 2030م، توجهت السعودية نحو إنجاز الاتفاق مع إيران والذي سيمهد التوصل إلى اتفاقات منبثقة عنه وبناءً على تفاهمات بين الطرفين.

ويتوقع مراقبون أن تلتزم طهران وبضمان صيني بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعداداً لإنهاء الصراع في البلد، خاصة إذا ما تم النظر إلى فشل جميع جولات السلام السابقة في اللحظات الأخيرة، وهو ما يعزوه محللون أن السبب وراء ذلك هي إيران.

ويرى مراقبون، أنه بناءً على هذا الاتفاق فإن الاتفاقات الجديدة ستسفر عن الإعلان عن التوصل لاتفاق سلام شامل في اليمن، يتم بموجبه توسعة مجلس القيادة الرئاسي وإشراك الحوثيين فيه، وتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع الأطراف المتصارعة في اليمن، على أن يتم خلال هذه الفترة إنجاز عقد سياسي وطني جديد ينظم شكل الحكم ويستوعب تطلعات الجميع بما فيها القضية الجنوبية، وتكون أولوية الحكومة الجديدة إنجاز الملفات الإنسانية مثل فتح الطرقات وإطلاق سراح الأسرى والمختطفين وتثبيت السيطرة على الأرض، وإصلاح المنظومة المالية، ودفع المرتبات وفتح الموانئ والمطارات.

هذه النظرة عبرت عنها طهران بشكل غير مباشر وفي أكثر من مناسبة بينها تصريحات مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، الذي عبر عن أمله أن يثمر الاتفاق السعودي الإيراني في تشكيل حكومة وحدة وطنية، إضافة إلى ما نقلته صحيفة كويتية عن مصدر إيراني حول مستقبل الأزمة اليمنية بعد الاتفاق مع الرياض.

غير أنه وبالرغم من كمية التفاؤل فإن الأوضاع في اليمن قد تمر نحو التطبيع بشكل بطيئ نتيجة سنوات من التعبئة والضخ الإعلامي والحرب الإعلامية، بشكل أسهم في تفتيت النسيج المجتمعي، بما يعني أن رغبة الأطراف في إنهاء الحرب وتقديم التنازلات بناءً على ضغط من دول الإقليم هي العامل الأساس في التوصل إلى اتفاق وإنهاء الحرب.

وكل هذه التفاهمات تتوقف على جدية طهران ومصداقيتها في هذا الاتفاق لإنجاحه وترجمته على أرض الواقع، كونه يصب كذلك في مصلحتها باتجاه إنهاء عزلتها الإقليمية، وتخفيف المصاعب الاقتصادية التي تواجهها، وينبغي أن تترجم مصداقيتها في التوقف عن تزويد الحوثيين بالأسلحة والخدمات اللوجستية وخدمات التدريب والاستخبارات، والضغط على الحوثيين للدخول في تفاهمات جادة لإحلال السلام.

ورغم ذلك فإن الحرب في اليمن باتت أكثر تعقيداً من مجرد كونها صراع نفوذ بين السعودية وإيران وإن كان هذا الجانب حاضراً. وبالتالي فإن الصراع في اليمن قد يأخذ منحى آخر بالنظر إلى طبيعة وبنية الجماعة الحوثية الرافضة لحق الشعب في اختيار من يحكمه مستندة إلى عقيدة (الولاية والحق الإلهي) وانفتاح شهيتها على السيطرة بالقوة حتى ظنت أن بإمكانها ابتلاع اليمن وتغيير هويته ليكون مجرد حوزة شيعية والشعب مجرد “حشد شعبي” يردد وراءها الصرخة، ويقدم ماله وروحه فداءً لـ”علم الهدى” ومشروعه الطائفي!

وفي أسوأ الأحوال فإن ما قد يعمله هذا الاتفاق أن يحد من الحضور الإقليمي في تفاصيل الصراع ليصبح أكثر محلية حتى يتمكن أحد الأطراف من السيطرة المسلحة على كل أرجاء اليمن، مع أن جماعة الحوثي في حال شعورها بعدم القدرة على ابتلاع اللقمة كاملة قد تقبل بفكرة التقسيم أو إبقاء الكانتونات ولو مرحلياً حتى تلتقط أنفاسها لتعاود الكرَّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى