عربية ودولية

بائع ثلج أو نادلة.. هذا حال صحافيي اليمن في زمن الحوثيين

من صحافي متخصص بنقل مآسي وهموم المجتمع في إحدى الصحف اليومية اليمنية، تحوّل فيصل السراجي إلى مشرد يبحث عقب انقلاب الحوثيين عن فرصة عمل قبل أن تستقر به الحال بائعاً للثلج على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء، بعد أن أغلقت الميليشيا كل نوافذ الإعلام غير الموالية لها.

والسراجي، المسؤول السابق عن قسم الشؤون الإنسانية في صحيفة “أخبار اليوم”، هو نموذج يجّسد معاناة مئات الصحافيين اليمنيين الذين فقدوا أعمالهم مع سيطرة الحوثيين على صنعاء وانقلابهم على السلطة وباتوا يبحثون عن أي عمل مهما كان بسيطاً ليوفروا “لقمة العيش” الأساسية لعائلتهم ويغطوا إيجارات منازلهم.

الصحافي فيصل السراجي

الصحافي فيصل السراجي

تحدث السراجي، وهو أحد الذين وضعوا لبنات للصحافة الإنسانية المتخصصة في اليمن منذ عقد من الزمن، بحرقة لـ”العربية.نت” عن ظروفه التي تشبه ظروف عشرات الصحافيين اليمنيين الذين “قذفت بهم الحرب إلى الشارع والعمل في أعمال شاقة، والعيش وسط ظروف صعبة دون أن تنفتح لهم نافذة انفراج”، حسب تعبيره.

وشرد الصحافي بعيداً وتوقف عن الحديث، ثم قضم أضافر أنامله، وقال: “كثير ما ينتابني الحزن على ما آلت إليه ظروفي، لكني لست الصحافي اليمني الوحيد الذي صار يعيش على هامش الحياة، بل هناك عشرات الصحافيين اليمنيين الذين يعيشون نفس حالي”.

وأضاف بغصة: “لست أسوأ حالاً من الزميل والأخ الصحافي نبيل الشرعبي، فهو الآخر فقدَ عمله الصحافي كرئيس لقسم الاقتصاد ومسؤول الملحق الاقتصادي في صحيفة “أخبار اليوم” مطلع العام 2015 واضطر للعيش عدة أشهر على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء”.

وخنق السراجي غصته وكفكف دمعة جالت بعينيه، وبحسرة قال: “زميلي نبيل عاش ظروفا قاسية ولم يكن أمامه للعيش غير اللجوء إلى جمع مخلفات البلاستيك وعبوات المياه المعدنية والعيش من عوائدها المتواضعة”.

طفل يجمع مخلفات البلاستيك في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية)

طفل يجمع مخلفات البلاستيك في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية)

واختتم حديثه بالقول: “رغم البؤس الذين يلف حياتنا كصحافيين يمنيين تنكر لنا الجميع، إلا أننا أفضل حالاً من صحافيين باعوا ضمائرهم وخانوا أمانة المهنة، ومارسوا القتل بالكلمة من خلال تزوير الحقائق ونقل واقع مغلوط ومشوّه عما يجري في اليمن”.

وهناك عشرات القصص المتداولة عن صحافيين يمنيين وجدوا أنفسهم ضحية الحرب المستمرة منذ انقلاب الحوثيين على السلطة بقوة السلاح أواخر العام 2014 والذين يرون في الإعلام “خطراً أكبر من الرصاص”، كما صرح بذلك زعيمهم ذات مرة، ما جعل الميليشيا تغلق كل وسائل الإعلام غير التابعة لها وتطارد الصحافيين وتزج بهم بالسجون والمعتقلات وقد حكمت على أربعة منهم بالإعدام.

الصحافيون توفيق المنصوري وأكرم الوليدي وعبد الخالق عمران وحارث حمید الذين حكم الحوثيون عليهم بالإعدام

الصحافيون توفيق المنصوري وأكرم الوليدي وعبد الخالق عمران وحارث حمید الذين حكم الحوثيون عليهم بالإعدام

ويمتد ذلك إلى الصحافيات اليمنيات، فلهن أيضاً نصيب من المعاناة ولسن أفضل حالاً من زملائهن الصحافيين، ولكنهن لزمن الصمت لسنوات نظراً للرؤية المجتمعية تجاههن. وتحدثت صحافية، طلبت عدم الكشف عن اسمها، عن توقف وسيلة الإعلام الخاصة التي كانت تعمل فيها ما اضطرها للبحث عن عمل، واستقرت بها الحال نادلة في أحد مطاعم العاصمة صنعاء مقابل راتب زهيد.

وأضافت: “أشعر بخيبة أمل، وخذلان من الزملاء وكذلك من نقابة الصحافيين اليمنيين والجهات المعنية. لقد تخلى عنا الجميع، لكننا ما زلنا نعيش ولو على هامش الحياة”.

وأشارت إلى أن هناك صحافيات يمنيات لا يرغبن في أن يعرف أحد كيف صار وضعهن في زمن الحرب، منهن من يعمل في تسويق السلع وبعض يعملن في محال تجارية وغير ذلك. وقالت: “هذا هو حال كثير من الصحافيين اليمنيين في زمن الحرب.. إنه زمن مقصلة الصحافة”.

من أحد أسواق صنعاء

من أحد أسواق صنعاء

وفي تعليقه على هذه المعاناة، اعترف عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي بأن النقابة دورها “ضعيف جداً” وليس لديها أي موازنة أو إمكانية لمساعدة “الكم الهائل من الصحافيين الذين تضرروا من الحرب.

وأكد الأسيدي في تصريح خاص لـ”العربية.نت” أن الكارثة التي حلت بالصحافة في اليمن أكبر من مقدرة كل منظمات المجتمع المدني، مضيفاً: “ربما الوسط الصحافي كان من أبرز الشرائح في المجتمع اليمني التي تأثرت بالحرب، خاصةً الصحافيين في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، مع انقطاع رواتب آلاف العاملين في الوسط الصحافي ومختلف الوسائل الرسمية منذ ستة أعوام، حيث ترفض ميليشيا الحوثي منحهم رواتبهم”.

وكشف عن نزوح وهجرة أكثر من 1000 صحافي من العاصمة صنعاء، والكثير منهم ترك العمل الصحافي وتحول إلى العمل اليدوي وأعمال أخرى في محلات غذائية ومصانع وفي مجال البناء وكسائق أجرة. وختم قائلاً: “للأسف الجميع تخلى عن الصحافيين اليمنيين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى