
لم يكن الـ22 من مايو 1990 حدثاً عابراً ولا قراراً متسرعاً، بل كان تتويجاً لنضالات الثوار شمالاً وجنوباً ضد الإمامة والكهنوت والاستعمار البغيض، ليكون أعظم حدث في تاريخ اليمن الحديث، لإعادته الاعتبار للتاريخ والإنسان اليمني بعد عقود من الشتات والتمزق.
مثّل الثاني والعشرين من مايو 1990 انتصاراً لإرادة وقوة اليمنيين واللحاق بركب الأمم حضارياً وثقافياً، ليكون هذا الحدث علامة فارقة ودرعاً حصيناً وسياجاً منيعاً للمتربصين باليمن.
بعد جولات من الصراع والعنف والاضطرابات التي امتدت لعقود جاءت الوحدة اليمنية بجهود أبناء الوطن المخلصين والذين حرصوا على تعميق الوحدة قبل أن تكون موجودة على الواقع وتشاركوا تحمل أعباء مقاومة الكهنوت الإمامي في محافظات الشمال والاحتلال الأجنبي في محافظات الجنوب والتقى الجميع تحت راية واحدة ولم يعترفوا بأي فوارق مناطقية أو عنصرية أو سواها، لتكون الوحدة الصخرة التي تحطمت عليها كل معاول المؤامرات.
كان الثاني والعشرون من مايو 1990م يوماً خالداً في التاريخ وحماسياً منقطع النظير تعالت فيه أصوات اليمنيين وارتفعت أحلامهم فيه، ومثلت لهم القوة بكل مكوناتها الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية؛ وحققت آمال اليمنيين الكبيرة في تشييد النهضة العمرانية والتعددية السياسية وإتاحة حرية التعبير لهم واللحاق بركب الأمم حضارياً وثقافياً.
كما أن انتصار الشعب اليمني يوم 22 مايو عام 1990 لم يكن لليمنيين فحسب بل للشعوب العربية والإسلامية، كونه حدثاً وحد الشعوب العربية وجسد كل تطلعاتها وطموحاتها في إيجاد شعب عربي قوي موحد الفكر والإرادة والقوة، ولتكون الوحدة اليمنية نواة للوحدة العربية الشاملة وبادرة وحدوية بناءة على الساحة العربية وإنجازاً قومياً في زمن صعب.
كانت وما زالت الوحدة اليمنية الحدث الأبرز والجوهر الحقيقي في تجسيد وتعميق وتقوية أواصر اليمنيين في كل مكان، ومثلاً يحتذى بين سائر الدول العربية، فيما شهدته من محطات واتفاقيات بعد نجاح الثورتين سبتمبر وأكتوبر. فالوحدة دين والوحدة فطرة ربانية، دعت إلى ضرورة الاتحاد والألفة والانسجام.
وأظهرت الوحدة صرامة الشعب اليمنى المعروف بنزعته الوحدوية العربية، وشكلت أهم منعطف في تاريخ اليمن وأول إنجاز حقيقي نحو توحيد الوطن اليمني في آفاقها وأهدافها بين جماهير الشعب اليمني ومدى الترابط الحقيقي بينهم بمعنى الوحدة الحقيقية.
ورغم أن البلد يتعرض لكثير من الهزات السياسية إلا أن الوحدة ظلت وستظل عصية على أي محاولة للالتفاف عليها، تحت أي مسميات، رغم تواطؤ البعض من أصحاب النفوس الضعيفة مع مشاريع التقسيم والتفتيت، ظنا منهم أن في ذلك تحقيقاً لمصالحهم الشخصية، وهم في ذلك يغفلون أن في المصلحة الجمعية للمجتمع والوطن، مصلحة للفرد.
تجاوزت الوحدة كل الصعاب والدسائس والمكائد والمؤامرات وأصبحت روحاً تسري في جسد اليمنيين كونها وحدة طبيعية وتاريخية تعبر عن أرض واحدة وشعب واحد وحضارة واحدة في سبأ ومعين وحمير وقتبان وأوسان وحضرموت.
كان اليمن يمر في نفق الكهنوت الإمامي والاستعمار الأجنبي، حتى انبرى رجال وطنيون مخلصون، لإنقاذه وتخليصه من التخلف الإمامي والاستعمار البريطاني، بثورتي سبتمبر وأكتوبر العظيمتين، في إطار توجه وحدوي ليمن واحد حتى جاء الثاني والعشرون من مايو ليتوج هذه النضالات منذ اللحظة الأولى لانطلاق جذوة الثورة السبتمبرية.
واليوم ورغم كل هذه المكائد التي تواجه اليمن ووحدته واستقراره، إلا أن الوحدة مترسخة في قلوب وأفئدة وإرادة اليمنيين، كترسخها تاريخيا وجغرافيا، وانعكس ذلك في المرجعيات الدولية والتأكيدات المستمرة من المجتمع الدولي على أهمية وحدة اليمن واستقراره كجزء من الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والعالم، لتبدد بذلك أوهام ذوي الانتماءات القروية أصحاب مشاريع التقزيم والتقسيم والشرذمة.